الخميس 20 يونيو - 23:51
كلمة فضيلة الشيخ / عبد الله بن إبراهيم الفنتوخ - رعاه الله - مدير عام الدعوة بالداخل والجزيرة العربية سابقا -
منذ عرفته في عام 1363 هـ ، وحتى الآن وسمعته ومكانته الحسنة ، تتمدد تمدد
أشعة النور النافذ ، ترتفع مع الإنجاز ، وتنزل إلى الوهاد ، لا تغلق دونها
الأبواب ، وليس لها حجاب ، ولا يحرم منها هياب ، ولا يمحوها ضباب ، كأنها
شمس لاتغيب ، يستضيىء بها البعيد والقريب .
- تحلى - سماحته - بصفة الأمانة في الدين ، وجمع إليها صفات نادرة ، فحاز
من المكارم ما لم يحزه ذو سلطان ، ولا ذو فصاحة وبيان ، ولا ذو نسب ومال
وكيان ؛ بل جمع الله له محاسن الأخلاق ، وشيما ومروءة وشمما يندر أن تجتمع
لأحد ، فسبحان من يختص بفضله من يشاء .
فمن صفاته الاهتمام بعلم الحديث سندا ومتنا وحفظا ، وتكميل ذلك بالعناية
بمفاهيم الصحابة وكبار الأئمة من السلف الصالح - رحمهم الله -
- ومن صفاته اليقين بما أخبر الله به ، يتجلى ذلك في صفاته العملية المنيرة لحياته .
ومن صفاته التوكل على الله ، الذي يتجلى في شجاعته وكرمه وقوة عزيمته إذا
رأى الحق ؛ بيد أن هذه الشجاعة والعزيمة عنده يسبقها رأي ودراسة توجب وضع
الشيء في محله ، إذ الأزمان والأحوال قد تتغير وتتبدل .
ومن صفاته الحرص على اختيار الحق في المسألة بدليله ، والعض بالنواجذ على
ما كان السلف الصالح من مراعاة القواعد العامة للشريعة ومفاهيم الأئمة
ومقتضيات الأحوال لواقع حدود المسألة زمانا ومكانا وحالا ، بما لا يعارض
نصا من كتاب أو سنة . .
ومن صفاته الكرم ، فله مائدة مع ضيوفه صباحا ، ومائدة مع ضيوفه ظهرا ،
ومائدة مع ضيوفه عشاء ، ولا تختص بفئة من الناس ولا طبقة معينة ، بل إنها
مفتوحة وذلك كل يوم طيلة العام ، وتتضاعف في رمضان وأيام الحج في مكة
والمشاعر المقدسة لمن قصد سماحته من كافة الطبقات ؛ ولولا أن الله قد أمده
بالبركة لما كفى ما خصص له من راتب شهري - كأي موظف يماثله - فيما يصرف من
مال .
ومن صفاته التواضع ، يتضح ذلك في أخلاقه وآدابه مع الضعفاء والجهال ، وصبره
على الإلحاح الممل أحيانا والزحام المضايق للنفوس الضعيفة ، كما يتضح ذلك
في سماعه للاعتراض في أي مسألة ، ولو من أدنى التلاميذ حتى يتضح الحق
بدليله ، وهو بهذا الخلق يتحرى خلق النبي وأعني بذلك التواضع وتآلف الناس
على سائر طبقاتهم .
ومن صفاته الصبر ، يتضح ذلك بالدأب الذي لا يتغير من برنامج دروسه
ومحاضراته ومواعيده وأعماله الرسمية وغير الرسمية ، إلا مرض مقعد به كما
يتضح من مواصلة الأعمال ليلا ونهارا إلا من ضرورات الإنسان ، فلا يترك
لنفسه مجالا ولا نزهة ولا إجازة اضطرارية ولا رسمية فسبحان من أعطاه وقواه
ورعاه وتولاه .
ومن صفاته حفظ المعروف ، والمجازاة عليه بأضعافه ، بل يبدأ بالمعروف ثم لا
ينقطع بذله للمعروف مهما طال الزمن . ولو تغيرت الأحوال ، فهو بالمعروف
سابق ولاحق .
ومن صفاته النجدة بما يستطيعه - بالمال أو بالجاه أو بغير ذلك - فيما يتمشى مع الحق ، ونفع الخلق .
ومن صفاته ملازمة الأذكار في أوقاتها ، فلا يحول دون ذلك أي شغل آخر ، ولا
يجامل في ذلك أحدا مهما كان مقامه ، ولا شغل مهما كان شأنه .
- ومن صفاته تحري تطبيق السنة النبوية في كل شيء في صلة الرحم وزيارة
المريض واتباع الجنازة وإجابة الدعوة وآداب اللقاء والجلوس والكلام والطعام
والشراب واللباس ، والأذكار والأسفار وغير ذلك من شئون الحياة .
ومن صفاته الحرص على نشر الدعوة إلى الله بكافة الأساليب الممكنة وعدم اليأس وعلاج المدعو بما يناسب حاله وعدم اليأس من هدايته .
ومن صفاته بذل المساعي في تغيير المنكرات - ما ظهر منها وما بطن - بعلاجها
المناسب بما يزيلها بالكلية أو يخفضها ، ومواصلة الصبر بتكرار المساعي
المناسبة بدون يأس ولا سآمة .
ومن صفاته النادرة في الناس ، كراهية مدحه بما فيه ، وعدم إقرار ذلك إذا
سمعه ، ولو أن ما أذكره من هذه الصفات فيه إجابة عن سؤال لم أفعل لعلمي
بهذه الصفة فيه - حفظه الله - ومن صفاته الحميدة ، سلامة قلبه ، ومحبة
الخير والهداية للناس والنصح التام لكل من سأله أو توسط به .
وأما تعامله مع إخوانه فسماحته يتعامل معهم تعامل الأخ مع إخوانه ، ويتبادل
معهم البساطة ونوادر المرح الرفيع بما لا يضيع الوقت عن الأهم . وأود أن
أشير هنا إلى أنه ليس للمناصب أي أثر على حياته العلمية لأن صفات الأمانة
الإسلامية التي فيه لم تبنها المناصب ، وإنما بناها الله بما حباه الله من
علم شرعي وأعمال صالحة وأخلاق نبيلة وهكذا علاقته مع الناس ، وأثر المناصب
يتجلى في توفير الإمكانيات والنفوذ .
وأما الأساليب التي يرد بها سماحته على المغرضين فهي نابعة من تعاليم
الإسلام ، فإذا كانوا يسبونه ، فهو لا يغضب لنفسه ويتركهم وحسابهم على الله
ولا يحمل قلبه عليهم ، وقد اقتدى في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم ،
أما إن كان المغرضون قد انتهكوا شيئا من حرمات الله فهو يرد عليهم ردا
علميا بالحجة والبرهان ، ملتمسا بذلك هدايتهم لا شقاءهم وضلالتهم ، وهذا
أيضا من أخلاق الرسول .
وفي حياة سماحته مواقف كثيرة منها ما يناسب ذكره ، ومنها ما احتفظ به وهو كثير .
ومما يناسب ذكره أن ضيفا من تلاميذه الأفاضل ، أفريقي متجنس ، بات عنده ،
فقام سماحة الشيخ آخر الليل للتهجد ، وكانت غرفة الضيف بعيدة عن مقر الماء ،
وفي هذه الساعة يندر من يكون مستيقظا ، وهو يكره الإزعاج ، فذهب - سماحته -
بنفسه إلى مقر الماء بالإبريق ، رغم أنه كريم العينين ، وملأ لإبريق وجاء
به إلى مقر باب غرفة الضيف ثم أيقظه برفق لعلمه بالرغبة في ذلك .
ثم ذهب عن الباب ، حتى لا يحرج الضيف ، فخرج الضيف مسرعا ، فرأى الشيخ -
حفظه الله - قد ولى وترك الإبريق عند الباب من خارجه ، والضيف من أهل العلم
، وهو من تلاميذ الشيخ - رعاه الله - أطال الله في عمر سماحته وبارك في
حياته وأمده بالصحة والعافية وكثر الله من أمثاله .
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين