20.06.13 23:51
كلمة سماحة الشيخ العلامة / عبد الله بن سليمان بن منيع - رعاه الله - قاضي التمييز بمكة المكرمة وعضو هيئة كبار العلماء
إن الحديث عن سماحة شيخنا الجليل تنشرح له الصدور ، وتتفتح له النفوس ،
ويحلو بذكره اللسان فقد كان لي مع سماحته أكثر من علاقة أهمها وأحلاها
علاقتي به شيخا كريما لقد درست على يد سماحته في المراحل الدراسية الثلاث :
الثانوية والجامعية والدراسات العليا في المعهد العالي للقضاء ، فاستفدت
من علمه الغزير ، وفقهه الواسع ، وأدبه الجم في التعليم والتعلم ، الشيء
الذي أعتز بتحصيله من سماحته .
وعملت مع سماحته وتحت رئاسته في الرئاسة العامة للإفتاء والبحوث والدعوة
والإرشاد ، فكنت نائبا عاما لسماحته في الرئاسة لمدة عامين ، وقد كنت قبل
ذلك عضوا في اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء تحت رئاسته ، ثم تشرفت بالعمل
مع سماحته في هيئة كبار العلماء فكان ولا يزال - حفظه الله - نعم الشيخ
معلما وموجها وناصحا وحريصا على الاهتمام والعناية بطلابه ، فلقد أخذنا عنه
- حفظه الله - العناية بالدقة في إصدار القرار الحكيم أو الفتوى أو بالرأي
، وأخذنا عنه المرونة في النقاش ، وتبادل الآراء والوقوف عند الحقيقة
والبعد عن التعصب للرأي ، حيث كان - حفظه الله - يقرر " رجوعه إلى رأي
الأكثرية من زملائه وإخوانه وأبنائه في بحث أمر يكون له فيه رأي مخالف
فيرجع ويقول : - اللهم اهدنا فيمن هديت - وذلك حينما يظهر له رجحان الرأي
المخالف له .
وكان - حفظه الله - نعم الرئيس في العمل نصحا ورأفة ورحمة وتقديرا لزملائه
وتابعيه في العمل ، ويرعى حقوقهم ، ويحترم مشاعرهم ، ويقدر جهودهم ، ويكره
الحديث فيهم ، وعنهم مما يكرهون ؛ وقد قال لبعض الناس حينما كان يتحدث في
حق موظف تابع له : " اتركوا لي عمالي " ولا يألوا جهدا في سبيل تحقيق مصلحة
لأحد موظفيه ، إذا كانت لا تتعارض مع المصلحة العامة .
وكان - حفظه الله - نعم المشارك في المسائل والبحوث العلمية ، فالبرغم من
جلالة قدره ، ورفعة مكانته العلمية ، وإقرار الجميع بفضله وفقهه وغزارة
حصيلته العلمية ، فهو لا يتعصب لرأي إذا كانت المسألة موضوع البحث مما
للاجتهاد فيها مجال ، ويحب أن يسمع الرأي في المسألة من كل مشترك معه في
البحث من غير تفريق بين كبير وصغير ، ولكنه حينما يظهر له فيها رأي يعتقده
فهو يتمسك به ، ولا يرجع عنه إلا بمبرر شرعي ظاهر .
وقد ضرب - حفظه الله - رقما قياسيا في كرم النفس وكرم المال لم يجاره في ذلك أحد من العلماء المعاصرين فيما علمنا .
ولقد ذكر لي أحد المختصين بشئون نفقات بيته ، أن نفقاته اليومية تتجاوز
الألفي ريال ولهذا ما من عام ينصرم إلا وعليه ديون ؛ والحكومة - أعزها الله
- تدرك ذلك من سماحته فتقوم بسداد ديونه لأنها تعرف أنه وجه مضيء للبلاد
في كرمه وخلقه وعلمه ونصحه وتقاه وإجماع الناس على تقديره وحبه .
وهو - حفظه الله - إنسان يتمتع بصفات الإنسان الفاضل من حيث نظراته إلى بني
جنسه ، بغض النظر عن العرق والجنس واللون فهو يحب الإنسان من حيث هو إنسان
يرى فيه عوامل إكرام الله إياه ؛ فيأمل من كل إنسان أن يدرك حكمة وجوده في
هذه الحياة فيعرف قدر حق ربه عليه ليكون من هذه المعرفة قادرا على تحصيل
أسباب السعادة في الدنيا والآخرة .
فهو - حفظه الله - لا يألوا جهدا في سبيل مناصحة أي إنسان على أن يسلك
الصراط المستقيم ليكون بذلك لبنة صالحة ، لبناء المجتمع الإسلامي النبيل .
ولقد تقلد القضاء - حفظه الله - في آخر شبابه ومستهل كهولته ، فكان نعم
القاضي العادل ، ونعم القاضي العالم ، ونعم القاضي المرضي ، فما من حكم
يصدر من سماحته في قضائه إلا هو موضع التسليم والرضى والقناعة من طرفي
الخصومة ، لما يتمتع به - حفظه الله - من القبول لدى الجميع والقناعة به من
الجميع والاطمئنان إلى ما يحكم به من الجميع .
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين