12.06.16 18:28
الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، أمَّا بعد؛
الخطبة الأولى
أمة الإسلام: حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون عن الأسرة وعن أهدافها وعن مسؤوليتها في الإسلام وأمام المجتمع
فما معنى كلمة الأسرة؟
وما هي أهداف الأسرة في الإسلام؟
وما هي المسؤولية الملقاة على الآباء تجاه الأبناء؟
الجواب بحول الملك الوهاب:
العنصر الأول: تعريف الأسرة
الأُسْرة عباد الله هي: أهل الرجل وعشيرته. والأسرة: الجماعة يربطها أمر مشترك. انتهي.
وقال الشيخ طنطاوي: " كلمة الأسرة لغة-مأخوذة من الأسر بمعني الشد والقوة والتجمع والاتحاد.
وهي: رابطة اجتماعية تتكون من زوج وزوجة وأطفالهما وتشمل الجدود والأحفاد وبعض الأقارب علي أن يكونوا في معيشة واحدة.
العنصر الثاني: أهداف الأسرة في الإسلام
اعلم علمني الله وإياك: أن للأسرة أهداف علية في دين الإسلام وذلك لان الآسرة هي اللبنة الأولى في أساس وإصلاح المجتمع لذا فان للأسرة أهداف وثمار بينها لنا العزيز الغفار والنبي المختار - صلى الله عليه وسلم - نذكر منها
1-الهدف الديني:
و هو عبادة الله وحده وإنشاء جيل رباني يعبد الرب العلي قال الله تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [الذاريات: 56]،
لذا قال العلماء أن تكوين الأسرة امر تعبدي يتعبد المسلم ربه بإنشاء أسرة قائمة على كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -عن عائشة -رضي الله عنها -قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوَّجوا فإني مكاثرٌ بكم الأممَ، ومن كان ذا طَوْلٍ فليَنكِح، ومن لم يجد فعليه بالصيام؛ فإن الصوم له وِجَاء))ابن ماجه، (1)
والله - سبحانه وتعالى -وصف الرسل الذين أرسلهم ومدحهم بأن لهم أزواجًا وذرية في قوله -تعالى -: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ) [الرعد: 38].
كما مدح عبادَه الصالحين وأولياءه بالسؤالِ في الدعاء بأن يَهَب لهم أزواجًا وذرية، تقرُّ بها الأعين بقوله -تعالى -: ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) [الفرقان: 74].
2-الهدف الأخلاقي:
و من أهدف الأسرة تزكية السلوك والأخلاق والبعد عن الرزيلة والانحلال الخلقي وقد امتدح الله - تعالى -العفة وحرض عليها وبشر أصحابها بالفلاح (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) المؤمنون 5، وأرشد إلى ما يعين على ذلك ويسد الذرائع إلى فاحشة الزنى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون) النور 30، عن علقمة قال كنت أمشي مع عبد الله بمنى فلقيه عثمان فقام معه يحدثه فقال له عثمان يا أبا عبد الرحمن ألا أزوجك جارية شابة لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك قال: فقال عبد الله: " لئن قلت ذاك، لقد قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) البخاري(2)
كما حذر - عز وجل - حفظا للمجتمع وصيانة للأعراض من إشاعة الفاحشة بالقول أو الفعل أو سوء الظن(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) النور 19
والناظر إلى العالم الغربي يرى كيف انحدر الشباب في هوة الرزيلة والشهوة حتى عاشروا الكلاب والحيوانات انحطت أخلاقهم وضاعت أنسابهم وقلت أمانتهم
3-: الهدف اجتماعي:
و الهدف الاجتماعي من تكوين الأسرة عباد الله هو توثيق عرى المحبة والألفة بين أبناء المجتمع وهذا من نعم الله - تعالى -على المسلمين قال الله - تعالى -مبيناً ذلك: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) [الحجرات: 13].
فتقوى روابط المحبة بالمصاهرة وتزداد بالإنجاب والتكاثر قال الله - تعالى -: ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ) [الفرقان: 54]؛.
والأسرة تقوم بتربية أولادها على الفضائل الاجتماعية، ويتطبع بها الأفراد كبارًا وصغارًا على أساس المبدأ القرآني؛ قال الله - تعالى -: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [المائدة: 2]، وخير قدوةٍ في تحقيق هذا الهدف الاجتماعي من تكوين الأسرة هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد تزوَّج بعائشةَ بنتِ أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - وتزوَّج بحفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - وبهذا ارتبط بصاحبَيه الكبيرينِ برابط المصاهرة، فعزَّز الأُخوَّة الإسلامية لهما في الله بالمصاهرة.
وزوَّج النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنته رُقيَّة لعثمان - رضي الله عنه - فلما توفِّيت عَقَد له على شقيقتِها أمِّ كلثوم، وزوَّج ابنته فاطمة - رضي الله عنها - لابن عمِّه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
كما أنه يمكن من خلال تحقيقِ الهدف الاجتماعي تكثيرُ الأمة حتى تواجهَ الخطوب بسواعد قوية، وقوى عاملة تستثمرُ خيرات الأرض بكثرة قاهرة، وعقول جبَّارة، والوقوف بجانب بعضهم البعض في مساعدة إخواننا المسلمين.
4-الهدف الصحي:
وهو حماية المجتمع من الأمراض الناتجة عن الاتصال المحرم فالأسرة تعمل على تقنين العلاقة بين الرجل وبين المرأة
فالزواج هو الوسيلة المشروعة التي شرعها العليم الحكيم للاتصال بين الرجل والمرأة فاذا حاد الإنسان عن فطرة الله التي فطر الناس عليها انتشرت الأمراض وظهرت الأوجاع التي لا يجد الطب لها دواء
عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: أقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتُليتُم بهنَّ - وأعوذ بالله أن تُدرِكُوهن -: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يُعلِنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم يُنقِصُوا المكيال والميزان إلا أُخِذوا بالسنين وشدَّة المؤونة وجَوْر السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاةَ أموالهم إلا مُنِعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطَروا، ولم ينقضوا عهدَ الله وعهد رسولِه إلا سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتُهم بكتابِ الله ويتخيَّروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)) ابن ماجه(3)
وتأملوا عباد الله تلك الإحصائيات لمرض الإيدز:
يصاب بمرض الإيدز أحد عشر شخصا في الدقيقة الواحدة، أي 16000 مصاب في اليوم تقريباً.
حسب تقدير منظمة العمل الدولية فإن كل موظف مصاب بالإيدز سيخسر 15 سنة من حياته العملية.
عدد الذين أصيبوا بالفيروس عام 2005م ستة ملايين شخص.
مات بسبب الإيدز عام 2005م ثلاثة ملايين إنسان.
عدد الذين قضوا نحبهم بسبب هذا المرض في العالم للآن 28 مليون إنسان.
50% من المصابين تتراوح أعمارهم ما بين (15 - 24) عام.
15 مليون طفل يتيم بسبب الإيدز حتى الآن في العالم.
يقتل الإيدز يومياً 8000 شخص، منهم 5500 إنسان جنوب الصحراء الأفريقية.
تبلغ تكلفة المريض الواحد في الولايات الأمريكية المتحدة 100 ألف.
حسب منظمة الصحة العالمية ففي الشرق الأوسط يوجد 510000 إصابة بالإيدز. (4)
هذه هي نتيجة الابتعاد عن سنة الله - تعالى -في الاتصال بين الرجل والمرأة وصدق رسل الله - صلى الله عليه وسلم -: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يُعلِنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا
العنصر الثالث: مسؤولية الأسرة
اعلم علمني الله وإياك: أن الأبناء أمانة من أخطر وأعظم الأمانات التي حملها الله - تعالى -للآباء والأمهات والله - تعالى -أمرنا في غير آية من كتابه بحفظ الأمانة وحذرنا من تضييعها فقال الله - تعالى -(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا..)(النساء58
و أنت أيها الوالد مطالب أن تقي نفسك وزوجتك وأبنائك نار حر ها شديد وقعرها بعيد ومقامعها من حديد يقول الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ... ) (6) (التحريم)
عن علي رضي الله عنه-أنه قال في الآية: علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم (5)
والمراد بالأهل على ما قيل: ما يشمل الزوجة والولد والعبد والأمة.
واستدل بها على أنه يجب على الرجل تعلم ما يجب من الفرائض وتعليمه لهؤلاء، وأدخل بعضهم الأولاد في الأنفس لأن الولد بعض من أبيه
وفي الحديث " رحم الله رجلاً قال: يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعل الله يجمعكم معه في الجنة " وقيل: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة من جهل أهله. (6)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) قال: اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، وأمروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) قال: أوصوا أهليكم بتقوى الله.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) قال: مروهم بطاعة الله، وانهوهم عن معصية الله. (7)
وقال عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده: ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك؛ فإن عيونهم معقودة بك؛ فالحسن عندهم ما صنعتَ، والقبيح عندهم ما تركتَ، وعلِّمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ثم روِّهم من الشعر أعفَّه، ومن الحديث أشرفه، ولا تُخرجهم من علم إلى غيره حتى يُحكِموه؛ فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم... »(8)
1-المسؤولية العقدية
أولاً: مسؤولية الأسرة الإيمانية والدينية: الأبناء أمانة عند والديهم، وهم الذين يتسببون في إيمانهم أو كفرهم كما سبق في الحديث عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: (( من يولد يولد على هذه الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه كما تنتجون الإبل فهل تجدون فيها جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت صغيراً قال الله أعلم بما كانوا عاملين)) وأخرجه البخاري(9)
(وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: 13]
(وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة: 132، 133]
ولقد اهتمت الأسرة في الإسلام بتلقين مبادئ العقيدة للصغار، فعند الولادة يؤذن للصغير في أذنه اليمنى، ويقام في الأذن اليسرى، ويبدأ بالفتح عليه بكلمة التوحيد (لا إله إلا الله).
ومن الأمثلة على تربية الأولاد على مبدأ التوحيد حديث معاذ - رضي الله عنه - قال: كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (( يا معاذ" قلت: لبيك وسعديك، ثم قال مثله ثلاثا: "هل تدري ما حق الله على العباد"؟ قلت" لا. قال: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا". ثم سار ساعة فقال: "يا معاذ" قلت: لبيك وسعديك، قال: "هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟: أن لا يعذبهم)) (10).
ومثل آخر يتبين من خلاله كيف كان صلوات الله عليه يغرس التوحيد ولوازمه في عقول وقلوب الناشئة، ويربيهم عليه، ويتعاهدهم به.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَغْلَةً أَهْدَاهَا لَهُ كِسْرَى، فَرَكِبَهَا بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ، ثُمَّ أَرْدَفَنِي خَلْفَهُ، ثُمَّ سَارَ بِي مَلِيًّا، ثُمَّ الْتَفَتَ فَقَالَ: (( يَا غُلَامُ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، قَدْ مَضَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ جَهَدَ النَّاسُ أَنْ يَنْفَعُوكَ بِمَا لَمْ يَقْضِهِ اللَّهُ لَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ جَهَدَ النَّاسَ أَنْ يَضُرُّوكَ بِمَا لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْمَلَ بِالصَّبِرِ مَعَ الْيَقِينِ فَافْعَلْ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَاصْبِرْ، فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَاعْلَمْ أَنَّ مَعَ الصَّبْرِ النَّصْرَ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَعَ الْكَرْبِ الْفَرَجِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَعَ الْعُسْرِ الْيَسَرَ)) (11) أخرجه أحمد
2-المسؤولية التعبدية
وهي تنشئة الأبناء على عبادة الله وحده وترك معاصيه فكم راينا من شباب هائع حبله على غاربه لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا لا يعرف للمسجد طريقا يفطر مضان ويعصي الرحمن ويطيع الشيطان
فالواجب عليكم أيها الآباء أن تربوا أبنائكم على الطاعة فهي حصن الأمان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جَدِّه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع))(12) رواه أبو داود
كذلك أن يعود الآباء أبنائهم على الصيام منذ الصغر حتى يتعودا على تلك الفريضة التي يضيعها كثير من الشباب وتأملوا عباد الله في هدي الصحابة مع أبنائهم
عن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - غدة عاشوراء إلى قرى الأنصار: (( من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليهم، قالت: فكنا نصومه بعد ونصوّم صبياننا، ونجعل اللعبة من العهن -الصوف المصبوغ-، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار)). (13) صحيح البخاري
3-المسؤولية الخلقية
ومن الوجبات على الآباء والأمهات غرس الأخلاق الفاضلة في نفوس أبنائهم عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ)) (14)
وها هو - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بتأديب الأبناء وأن نحسن اليهم وروى ابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم )) (15) ضعيف جداً.
وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وغيرهما من حديث علي - رضي الله عنه -: (( علموا أولادكم وأهليكم الخير وأدبوهم)). (16)
قَالَ: كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: «حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُحْسِنَ اسْمَهُ، وَأَنْ يُزَوِّجَهُ إِذَا بَلَغَ، وَأَنْ يُحْسِنَ أَدَبَهُ» (17)
تربية الابن على المراقبة لله - تعالى -: أن يربي الوالد ابنه على والخوف من الله - تعالى -
أورد الغزالي في إحياء علوم الدين هذه القصة اللطيفة فقال:
قال سهل بن عبدالله التستري: كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار فقال لي يوما: ألا تذكر الله الذي خلقك، فقلت: كيف أذكره؟ فقال: قل بقلبك عند تقلبك بثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك، الله معي، الله ناظري، الله شاهدي، فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته، فقال: قل في كل ليلة سبع مرات، فقلت ذلك ثم أعلمته، فقال: قل ذلك كل ليلة إحدى عشرة مرة، فقلته، فوقع في قلبي حلاوته، فلما كان بعد سنة، قال لي خالي: احفظ ما علمتك، ودم عليه إلى أن تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة، فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت لذلك حلاوة في سري، ثم قال لي خالي يوما: يا سهل من كان الله معه وناظرا إليه وشاهده، أيعصيه؟ إياك والمعصية، فكنت أخلو بنفسي فبعثوا بي إلى المكتب، فقلت إني لأخشى أن يتفرق علي همي، ولكن شارطوا المعلم أني أذهب إليه ساعة فأتعلم ثم أرجع، فمضيت إلى الكُتّاب، فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين، وكنت أصوم الدهر وقوتي من خبز الشعير اثنتي عشرة سنة. (18)
تربية الابن على الصدق في الحديث
ومن الأمور التي ينبغي على الآباء أن يربوا أبنائهم الصدق في الحديث فالصدق عباد الله مناجاة وإن ظننت أن فيه الهلكة
عن عبد الله بن عامر -رضي الله عنه- قال: دعتني أمي يومًا -ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد في بيتنا- فقالت: تعالَ أعطِك، فقال لها: ((ما أردتِ أن تعطيه؟، قالت: أردتُ أن أعطيه تمرًا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أما إنك لو لم تعطِه شيئًا كُتِبَتْ عليك كذبة)) (19)[أبوداود].
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( من قال لصبي تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة)) (20)رواه أحمد
قصة / قال الشيخ عبد القادر الجيلاني - رحمه الله -: بَنَيْتُ أمري على الصدق، وذلك أني خرجت من مكة إلى بغداد أطلب العلم، فأعطتني أُمِّي أربعين دينارًا، وعاهدتني على الصدق، ولمَّا وصلنا أرض (هَمْدَان) خرج علينا عرب، فأخذوا القافلة، فمرَّ واحد منهم، وقال: ما معك؟ قلت: أربعون دينارًا. فظنَّ أني أهزأ به، فتركني، فرآني رجل آخر، فقال ما معك؟ فأخبرته، فأخذني إلى أميرهم، فسألني فأخبرته، فقال: ما حملك على الصدق؟ قلت: عاهدَتْني أُمِّي على الصدق، فأخاف أن أخون عهدها. فصاح باكيًا، وقال: أنت تخاف أن تخون عهد أُمِّك، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله!! ثم أمر بردِّ ما أخذوه من القافلة، وقال: أنا تائب لله على يديك. فقال مَنْ معه: أنت كبيرنا في قطع الطريق، وأنت اليوم كبيرنا في التوبة، فتابوا جميعًا ببركة الصدق وسببه. (21)
قال إسماعيل بن عبيد الله: لما حضرت أبي الوفاة جمع بنيه فقال لهم: يا بَنِي عليكم بتقوى الله، وعليكم بالقرآن فتعاهدوه، وعليكم بالصدق حتى لو قَتَل أحدكم قَتيلاً، ثم سئل عنه أقر به، والله ما كذبت كذبة قط مذ قرأت القرآن. (22)
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد:
4-المسؤولية الاجتماعية
إنّ الحاجة إلى الغير والتأثّر به تبدأ مع الإنسان منذ أن يكون جنيناً إلى أن يموت. فالإنسان يكتسب الوجود بتأثير من والديه، ثمّ يتأثّر بأخلاقهما وأخلاق أخوته وأقربائه وجيرانه وأصدقائه، ثمّ يدخل في خضم المجتمع؛ فيتأثّر بالمدرسة، والمعلّم، وسائر أعضاء المجتمع؛ بحسب درجة ارتباطه بهم.
وتشمل التربية الاجتماعية على عدة نقاط
أ-تربية الولد على محبة الخير للغير
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))، (23)
ب- تربية الولد على توقير الكبير
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرِ الْكَبِيرَ وَيَرْحَمِ الصَّغِيرَ وَيَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وينه عَن الْمُنكر)). (24)
ج- تربية الولد على صلة الأرحام
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: إِنَّ أَبَا الرَّدَّادِ اللَّيْثِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، - رضي الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (( قَالَ اللَّهُ - عز وجل -: أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنِ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ )) (25)
د-تربية الولد على الإحسان إلى الجيران
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: (( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)) (26)
5- المسؤولية الاقتصادية
وينبغي عليكم أيها الآباء أن تربوا أبناءكم تربية اقتصادية فينشا الولد على تحمل المسؤولية وعلى معرفة الحلال من الحرام
كيف يربي الوالد ولده تربية اقتصادية؟
الجواب بحول الملك الوهاب: يكمن في عدة نقاط:
1-التربية على أن الغنى غنى النفس: جاء في حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له: (( أترى كثرة المال هو الغنى؟ " قال أبو ذر: نعم، قال: "وترى قلة المال هو الفقر؟ " قال أبو ذر: نعم، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب)) (27)، ومعنى ذلك عدم تقبل المال من كل سبيل، وعدم إنفاقه في كل سبيل وبأي مقدار.
2- التربية على العمل وكسب العيش: جاء في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: إن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، فقال: (( ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله)) (28)
ومعنى ذلك أن الوسائل النفسية المهمة: التعفف، والاستغناء، والصبر.
أما الوسيلة المادية فهي العمل، وعن أبي عبد الله الزبير بن العوام - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل، فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه)) (29)رواه البخاري.
ولهذا كان أهل مكة يعملون في التجارة في مكة، وبالزراعة في المدينة.
3- التربية على الاعتماد الذاتي والاكتفاء بالدخل الشخصي، جاء في حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان)) (30)رواه مسلم
ومعنى ذلك تقليل المصروفات، حتى لا يحتاج المرء إلى الاستدانة من الآخرين، وليكتفي ذاتيًا بما عنده.
4-التربية على العطاء، جاء في حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة، والسفلى السائلة)) (31)
ومعنى ذلك رفع المستوى الاقتصادي للمجتمع، بحيث يكثر فيه المعطون، ويقل فيه الآخذون.
هذه أهم معالم التربية الاقتصادية التي نشَّأ رسولُ الله أصحابَه عليها، وربَّاهم على الأخذ بها، ودعاهم إلى سلوكها، فآتت ثمارها على الصحابة رضوان الله عليهم، وعلى المجتمع المسلم، وكان لها صداها في مجال الدعوة إلى الإسلام.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين. اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم يا ربنا يا قوي يا عزيز يا ذا الجلال والإكرام انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في أرض الشام وفي كل مكان يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم أصلح ذات بيننا، وألِّف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا يا ذا الجلال والإكرام. اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علِمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، وأن تجعل كل قضاءٍ قضيته لنا خيرا يا رب العالمين. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. ربنا إنَّا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.