الإثنين 8 يوليو - 17:08
كلنا عيوب وذنوب، ورغم الاعتراف، لا نكفُّ عن الاقتراف، ولا نهجر الانحراف، وكأننا لم نسمع الداعي ولم نُبالِ بالزاجر! قال الله تعالى لنا:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [هود: 112]، فاعوَجَجْنا، ولم ندرِ بمَ أُمِرنا، وما بكينا كالنبي صلى الله عليه وسلم ولا تباكينا، فهل لنا من وقفةٍ في رحاب آيةٍ، علَّنا نجد فيها دواء الداء، وشفاء السقام؟
قال الله تعالى: ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾ [الأعراف: 97].
فيا صاحب الذنب الثقيل، يا أسير الدنيا، يا مُرقَّع الدين، يا أنا وأنتَ وأنتِ، يا مَن له بقية حِسٍّ، إن مَن يقرأْ تلك الآية وتقرع آذانَ قلبه وتقرَّ في وجدانه، لا يملِكْ أن ينام إلا غلبةً؛ فهي تدفعه دفعًا ألَّا يفتر عن تدارك نفسه، وإصلاح عمله، فإن مَن يطلبُه لا ينام، فكيف يهنأ بنوم وهو المطلوب؟
فإن كان ولا بد من النوم، فنومٌ على توبة وأمل وتضرُّع أن يمد الله له في عمره، عساه أن يُصلح ما فسَد من عمله، ويرقع ما انخرق من ثوبِ تقواه، ويصير هذا دأبَه وحاله في كل لياليه: وَجَل وإشفاق أن يؤخذ بما جَنَت يداه، فلا يصبح بين العباد، بل ينقل إلى القبور، ولا يدري عن ذنبه أهو مستور مغفور، أم مأخوذ به ومرهون؟ فينام بين وَجَلٍ وأَمَلٍ أن يمد الله تعالى له في عمره، فيكاد يصرخ ويصيح وهو بين سكرات نومه: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾ [المؤمنون: 99، 100]، فإن كان ممَّن له أَجلٌ يمنحه الله فرصةً أخرى ولا يتوفاه في منامه، فيصبح حيًّا بين العباد، فكأنما رُدَّت إليه رُوحه بعد الإياس، وأثرى بعد إفلاس، فيُشرِق فيه أمله قبل شروق يومِه، فيا لسعدِه وهناه، عادت إليه نفسه، فأقبَل عليها يُلملِم شَتاتها، ويداوي جراحها من ذنوبِ أَمْسها، فينطق قلبه قبل نطق لسانه: ((الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور))، وود لو قال: بُشراي! لم أفت كما فات أمسي يومٌ آخر في العمر "منحة أخرى"، فهلُمَّ نعمل حتى لا يأتي عليَّ ليلي وأنا مفلس كأمسي.
فيا نفس، جدي إلى القرآن، والضحى، والذِّكر، ونُصح النفس والغير.
يا نفس، هلمِّي، قد سبَقَكِ أناسٌ أخَذوا مقاعد صدقٍ عند مَليكٍ مقتدر؛ فهذا شهيد، وهذا صدِّيق في رفقة نبي، وألحق بهم أحاسِن الناس أخلاقًا من شتى الأماكن ومختلف الأزمان، وأنتِ هنا! ما زلت في قيدِ الأسر تُبدِّدين (كَنزَك)، تضيعين يومَكِ في طلب كفٍّ من شعير، ومنافسة العشير؟! هلُمِّي يا نفس، ودعي التواني، فالعمر يمر كالثواني، والموت يرصدك بلا توانٍ!
فيا نفس، اضربي لك مع الصالحين بسهمٍ، واحذري اللعب وترك الجد؛ فإنَّ خالقك لم يُوجِدك هنا عبثًا، ولم يتركك هملًا، بل طلبك للأمر العظيم، فاربئي عن حب الحقير ونسيان المصير؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الأعراف: 98].