الإثنين 6 أبريل - 15:56
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
-----
أولاً قبل التطرق الى الموضوع اكيد جميعنا يعلم ان الكذب من اقبح الذنوب
التى تؤدى مع الاستمرار فيها الى ان يكتبه الله عنده من الكذابين
عن عائشة رضي الله عنها قالت :
(مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَذِبِ
، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَكْذِبُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَذِبَةَ
فَمَا يَزَالُ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْهَا تَوْبَةً)
رواه أحمد في "المسند" (42/101) وصحح إسناده المحققون .
ثانياً :
ولكن احياناً نجد بعض المواقف التى نمر بها سواء فى تعاملاتنا
مع الاخرين او ان نمر بمواقف بين الاخرين ونجد هنا ان قول الصدق سيؤدى
الى حدوث ضرر او أذى سواء لنا او لغيرنا ولكن ديننا الكريم التى عُرف بالوسطية
وبالرحمة قبل العقاب وبالعفو قبل الحساب اتاح لنا بعض الامور والمواقف التى
يمكنا فيها الكذب او التورية فى الكلام وذلك لدفع الضرر والفساد والاذى
سواء من المتكلم عن نفسه او فى حق غيره ولكن وضع ظوابط وحدود واسباب
لهذه الحالات حتى لا يعتمد عليه كل من كان من العباد ويصبح وسيلة معتادة
فجاءت الأدلة الشرعية الصحيحة تستثني من تحريم الكذب وتوضح
لنا الحالات التى يكون فيها الكذب مباح
------
من هذه الأدلة :
حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها
أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا) رواه مسلم (2605)
------
قال ابن حجر في "فتح الباري" (8 / 222):
"قال الطبري: ذهبت طائفة إلى جواز الكذب؛ لقصد الإصلاح، وقالوا:
إن الثلاث المذكورة كالمثال، وقالوا: الكذب المذموم إنما هو فيما فيه مضرة
أو ما ليس فيه مصلحة. وقال آخرون: لا يجوز الكذب في شيء مطلقًا
وحملوا الكذب - المراد هنا - على التورية والتعريض.
----------
قال النووي في "شرح مسلم" (6 / 181):
"والظاهر إباحة حقيقة نفس الكذب، لكن الاقتصار على التعريض أفضل".
وقال - رحمه الله - (8 / 426):
"وأما كذبه لزوجته، وكذبها له، فالمراد به في إظهار الود والوعد
بما لا يلزم، ونحو ذلك، فأما المخادعة في منع ما عليه، أو عليها
، أو أخذ ما ليس له، أو لها، فهو حرام بإجماع المسلمين".
------------
الكذب لاصلاح ذات البين وعلى ذلك انه يجوز الكذب فى حال
لو كان فى ذلك هدف الاصلاح بين زوجين او اعادة صلة رحم بين الاهل
او فى حال بين صديقيين كالاخوة وحدث بينهم تفرقة فيجوز بهدف
نشر المحبة والاخوة فى الله ان يكذب لهذا الهدف
وهو أولى بالجواز لعموم مصلحته.فى هذه الاحوال
وايضاً فى حال ما لو أراد أن يصلح بين اثنين وأن يصلح بين الضرات من نسائه
بأن يظهر لكل واحدة أنها أحب إليه
وإن كانت امرأته لا تطاوعه إلا بوعد لا يقدر عليه فيعدها في الحال تطييبا لقلبها
أو يعتذر إلى إنسان وكان لا يطيب قلبه إلا بإنكار ذنب وزيادة تودد فلا بأس به
---------
روى الطبري في "تهذيب الآثار":
"أن امرأة سألها زوجها: أتبغضينني؟ قالت: نعم، فقال لها عمر:
ما حملك على ما قلتِ؟ قالت: إنه استحلفني، فكرهت أن أكذب،
فقال عمر: بلى فلتكذب إحداكن، ولتُجمِل؛
فليس كل البيوت يبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام".
------
وقال العز بن عبد السلام رحمه الله :
"الكذب مفسدة محرمة إلا أن يكون فيه جلب مصلحة أو درء مفسدة
فيجوز تارة ويجب أخرى وله أمثلة :
أحدها : أن يكذب لزوجته لإصلاحها وحسن عشرتها فيجوز
----
والنية فى حال الكذب بهدف لا يعلمها الا الله وسنحاسب عليها جميعاً
انما الاعمال بالنيات ولكل امرء ما نوى
فلابد ان تكون النية خالصة لله تعالى فى هذا الكذب وهو نية الاصلاح
-------------
أقوال لبعض العلماء في تقرير هذه الأحكام .
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله :
الكلام وسيلة إلى المقاصد :
1- فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً :
فالكذب فيه حرام .
2- وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق :
فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك القصد مباحاً بمعنى
مباح به فى الشريعة والسنُة للاصلاح او دفع الضرر
--------
فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(إن في معاريض الكلام ما يغني الرجل عن الكذب)
رواه البيهقي في " السنن الكبرى " (10/199) .
ومعنى المعاريض :
أي الكلام الذي يظنه السامع شيئاً ويقصد المتكلم شيئاً آخر
--
واختم موضوعى بهذه الجزئية الاخيرة
إذا كان الكذب سيؤدي إلى دفع مفسدة أعظم أو جلب مصلحة
أكبر صار جائزاً حينئذ . ولكن فى حدود ما احله الله لهذه الحالات
وينبغي عدم التهاون في شأن الكذب مع دعوى أنه لدفع مفسدة
بل لا بد من الموازنة الصحيحة بين المصالح والمفاسد .
من استطاع أن يستغني عن الكذب باستعمال التورية والمعاريض
فلا شك أنه أولى وأفضل
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين