الأحد 12 يونيو - 18:26
إن المجتمع البشري يسمو بعقله فيتبع الحق فيرتقي إلى مدارج الكمال والقرب الإلهي، كما قد ينحدر بهواه وشهواته فيتبع الباطل فيتهاوى إلى حضيض الخسة والنذالة، ومن يقرأ حياة الغاب ويتعرف على طبائع وأبرز خصال الحيوانات يتمكن من معرفة حقيقة وجوهر الإنسان الذي يعايشه؛ لأن هذا الإنسان الذي أمامه لابد وأن يتحلى بصفة من صفات الحيوانات الحسنة أو الذميمة، من الفصائل التالية أو غيرها:
1/ الأسد: الذي يتحلى بالشجاعة والبسالة والإقدام؛ فيكون من ليوث الوغى وهم الخيرة والقلة الصادقة.
2/ الذئاب: التي تعوي لترهيب الخراف الجبانة وإذا تمكنت منها فَتَكَتْ بها ومزقتها بأنيابها شر ممزق من دون رحمة ولا شعور بذرة إحساس من الإنسانية.
3/ الثعالب: الماكرة التي تذرف دموع التماسيح متظاهرة بالمسكنة و الضعف والمرض لتنقض على عواطف الدجاج لتسدرجها؛ إلى أن تمسك بها فتُملِّشها وتأكل لحمها وترمي بعظامها في مزبلة التيه والضياع.
4/ الأفاعي: التي يحلو ملمسُها ويقتل سُمُّها، تقابلك بابتسامة تدخل عليك السرور؛ وما أن تدير ظهرك عنها طعنتك بخنجر مسموم بالتزوير والغدر القاتل.
5/ النعامة: التي تدس رأسها في التراب لكي لا ترى الحقيقة التي تكشف الأعداء والعابثين.
6/ الخراف -الخرفان: الجبانة التي تخاف من فيِّها بل يصل بها الخوف درجة تدافع - وهي الضحية - عن جلاديها الذئاب المستسبعة خوفاً منها.
7/ الدجاج: العاطفي بلا تعقل الذي تتحايل عليها الثعالب فتستجيش عاطفتَها وتغيِّب عقلَها حتى تقع في مصيدتها.
8/ الأرانب: المختفية في جحورها من شدة الرهبة والخوف والجبن.
9/ البقر: الحلوب التي تستسلم وتسلم ضرعها للأفاعيّ والذئاب والثعالب ثم تخور.
10/ الحمير: الغبية التي طمست عقولها وأطفأت بصيرتها فلا تصلح إلا للركوب والإستخدام؛ وبهم توقد نار الحروب وتؤجج، وهم حطب النار دائماً ولا تشتعل النار إلا بهم، وعلى جماجمهم يتسلق اللصوص للتربع على كراسي الزعامة والسلطة.
هذه عشرة أمثلة للإنسان، وهناك أمثلة غيرها نشاهدها دائماً في المجتمع، وتتجلى بوضوح في الفتن وتقلب الأحوال حيث تتكشف الناس على حقيقتها فيُعرف الأسد كما يُعرف مرضى القلوب من ذئاب النفاق وأفاعي التزوير وثعالب الدجل، وهكذا تُعرف الضحايا من الجهال والبسطاء من الأنعام والحمير والخراف والدجاج والأرانب والبقر، يقول الله سبحانه وتعالى: {أمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ *}.
وكل واحد منَّا يرى ما يناسبه في نفسه ويعرف من أي الأمثلة حقيقته، يقول الله سبحانه وتعالى: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ *}.
وهكذا سيستثار المنافقون ويشتاطون غضباً حيث سيجدون صورتهم الحقيقية في هذه الأصناف مُعرَّية للقراء، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}.
والإنسان العاقل هو الذي يكون أسداً من الأسُود حتى لا تفتك به الذئاب، ولا تعبث به الثعالب، ولا تلدغه الأفاعي.
ولا يجوز للإنسان أن يرتضي لنفسه - فضلاً عن أن يجعل غيره - بأن يكون ألعوبة لهؤلاء المنافقين فيتحول إلى دجاجة للثعالب، أو خروف للذئاب، أو بقرة للأفاعي، أو أرنب في الجحور، أو نعامة تدس رأسها في التراب، أو حمار توقد به نار الفتن والصراعات دفاعاً عن الباطل، والإنسان الأحمق هو الذي يكون حماراً من الحمير - بلا عقل ولا بصيرة - التي توقد بها نار الصراعات وتشعل بها فتن الباطل، ويكون مركوباً للثعالب، وأداة للأفاعي، وطعماً للذئاب.
ولن ينفع مع تلك الأفاعي والذئاب والثعالب، الصمت والهروب من المواجهة بتبرير -مرضى القلوب- عدم الدخول في الفتنة لأنهم بموقفهم هذا سقطوا في الفتنة، يقول الله سبحانه وتعالى واصفاً هؤولاء: {أمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ *} ثم في آية أخرى يقول الله سبحانه وتعالى كاشفاً حقيقتهم: {لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ *وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ * إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ *}.
فلن يجدي مع الثعالب وأخوتهم المنكوسين إلا ليوث الوغى وأسود الغابة وحيادر سوح المنازلة؛ حيث يبدأ النزال والمواجهة فينقضُّون عليهم، ويقطعون رؤوس الأفاعي، ويبقرون بطون الذئاب، ويذبحون الثعالب، ويرمون بها خارجاً في الوادي السحيق؛ يقول الله سبحانه وتعالى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ *فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ *}
الحُمُر: جمع لحمار الوحش؛ والقسورة: قسوة وقهر الأسود.
وأخيراً سيكون شعار المزاد في سوق النخاسين للملابس (ذئاب وخراف، وثعالب ودجاج، وأفاعي وحمير) والشعار الأكبر (حمير بلا بصائر ولا عقول) كما يقول أمير المؤمنين، وكل يختار بضاعته التي تكشف عن معدنه، واللبيب بالإشارة يفهم، وباتباع الحق يغنم، ومن يصرُّ على الباطل يندم.