الأحد 5 يونيو - 16:42
شهر رجب ليس له فضل خاص ولا يختص بشيء من الأعمال
خالد بن سعود البليهد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. وبعد:
فلا شك أن رجب من الأشهر الحرم التي حرمها الله وعظمها في قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ). وفي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القَعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان).
وتحريم شهر رجب يقتضي عظم حرمته بين الشهور وتعظيم المعاصي فيه والسيئات في ظلم النفس وظلم الغير قال قتادة: (اعلموا أن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها وإن كان الظلم على كل حال عظيما ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء). ويقتضي أيضا تفاضل الأعمال الصالحة وتعظيم الحسنات لأن العمل يفضل في الزمان الفاضل والمكان الفاضل كما ورد في النصوص الشرعية فالطهارة والصلاة والصوم والبر والإحسان والصدقة والذكر والدعاء وسائر التطوعات يعظم فضلها وثوابها في هذا الشهر العظيم لكن هذا الفضل ثابت له ولسائر الأشهر الحرم على سبيل العموم بعموم الأدلة وليس خاصا برجب قال ابن كثير: (وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (إن عدة الشهور عند الله) الآية فلا تظلموا فيهن أنفسكم في كلهن ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم). ولم يرد دليل خاص يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضله خصوصا أو فضيلة عمل معين وما ورد في بعض الأعمال فضعيف عند أهل الحديث لا تقوم به حجة ولا يصح العمل به. ومن ذلك:
1-الدعاء عند دخوله:
ورد في عمل اليوم والليلة لابن السني وشعب الإيمان للبيهقي عن أنس بن مالك قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان). وهذا الدعاء شائع عند العامة ولكنه حديث منكر لا يصح ضعفه ابن رجب وابن حجر لأنه من رواية زائدة بن أبي الرقاد تكلم فيه البخاري وغيره قال أبو حاتم: (يحدث عن زياد النميري عن أنس أحاديث مرفوعة منكرة). فعلى هذا لا يشرع الدعاء بهذا الدعاء ولا يخصص دخول رجب بشيء من الدعاء لأنه لم يرد في الشرع وما ورد في فضل الاستغفار والتهليل في رجب موضوع لا يعرف إلا عند الرافضة.
2-التبريك بدخول رجب:
اشتهر عند العامة تبادل التبريكات والتهنئة بدخول شهر رجب فترى أحدهم يستفتح حديثه بتهنئة السامعين أو يرسل تهنئة لغيره بدخول رجب ويشكر الله على هذه النعمة وهذا العمل مجرد استحسان ليس له أصل في السنة لأن الشارع لم يعتبر دخول رجب مناسبة خاصة فلا ينبغي للإنسان أن يعمل عملا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا عن أئمة الهدى المتحرين للسنة الحريصين على متابعة الشرع.
3-الاغتسال عند دخوله:
انتشر عند بعض الطوائف مشروعية الاغتسال في أول ليلة من رجب وفي ليلة النصف من رجب ويرون أن هذه من الأغسال المستحبة وهذا القول أحدثه الرافضة وليس له أصل في السنة ولا يعرف من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا السلف فيما اطلعت عليه فعلى هذا لا يشرع للمسلم أن يعتقد أفضلية الغسل في رجب أو يخصه بيوم معين بالغسل وإنما يغتسل في الوقت والحال المشروع في يوم الجمعة وغيره مما ورد في السنة.
3- العمرة في رجب:
اشتهر عند العامة تخصيص رجب بعمرة ويرون لها فضلا عظيما ومزية خاصة ويوردون فيها آثارا مرجوحة فترى أحدهم يعتقد سنية عمرة رجب ويجتهد في أدائها وربما يبالغ فيها أكثر من اجتهاده وحرصه على عمرة رمضان وهذا العمل صار من شعار الجهال ولا يعرف عن أهل العلم المحققين والحق أنه لا يشرع تخصيص رجب بالعمرة لأنه لم يرد دليل في الشرع يدل عليها ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب ألبتة كما جاء في البخاري عن ابن عمر (رضي الله عنهما قال: (إن رسول الله اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب قالت (أي عائشة): يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط). ولهذا أنكر أهل العلم تخصيصه بعمرة قال ابن العطار: (ومما بلغني عن أهل مكة اعتيادهم كثرة الاعتمار في رجب وهذا مما لا أعلم له أصلاً). وأما ما ورد عن عمر رضي الله عنه وغيره من السلف أنهم كانوا يستحبون العمرة في رجب فهذا مبني على اختيارهم في نسك الحج وأن الأفضل أن تؤدى العمرة بسفر والحج في سفر مستقل واستحبابهم اجتهاد منهم وهو قوله مرجوح لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل عمرة رجب لا من فعله ولا من قوله وإنما ثبت فضل عمرة رمضان فلا يشرع تخصيص زمان بعمل لم يرد في الشرع وآثار الصحابة لا يعمل بها إذا كانت مخالفة للسنة أو لم يقع اتفاق عليها كما هو الحال في مسألتنا ومسألة متعة الحج ومسألة إتمام الصلاة في منى وغيرها مما اشتهر القول بمشروعية عمل أو إنكار عبادة عن بعض الصحابة في فترة معينة لخفاء الدليل أو الاجتهاد في عمل الخير ثم تبين في السنة خلاف ذلك القول وهذا له شواهد كثيرة في السنة. والحاصل أنه لا حرج على المسلم فعل العمرة في رجب لفراغه وغير ذلك من الأسباب لأنه عمل صالح لكن لا يعتقد خصوصيتها ومزية فضلها في رجب ولا يواظب عليها.
4-الصوم في رجب:
يستحب بعض العامة الصوم في رجب ويعتقد أن له مزية فتراه يصوم الشهر كله أو أياما معينة وهذا العمل ليس له أصل وإن استحبه طائفة من الفقهاء لأنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخص رجب أو بعض أيامه بصيام ولا يثبت في هذا الباب شيء. قال ابن تيمية: (وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة بل موضوعة لا يعتمد أهل العلم على شيء منها وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل بل عامتها من الموضوعات المكذوبات). وقال ابن القيم: (كل حديث في ذكر صيام رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى). وورد إنكار الصحابة لهذا العمل ففي مصنف أبي شيبة قال خرشة بن الحر: (رأيت عمر يضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان ويقول كلوا فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية) وذكر ابن قدامة في المغني: (أن أبا بكرة رضي الله عنه دخل على أهله وعندهم سلال جدد وكيزان فقال ما هذا فقالوا رجب نصومه قال أجعلتم رجبا رمضان فأكفأ السلال وكسر الكيزان). فعلى هذا تخصيص رجب بصوم الشهر كله أو بعضه واعتقاد سنيته غير مشروع لكن لو صام بعضه المسلم لفراغه أو كانت له راتبة في الصوم على سبيل التطوع العام أو وافق صوم الأيام الشرعية كالإثنين والخميس وأيام البيض فحسن أما أن يعتقد الخصوصية في صوم يوم معين وأن له فضل خاص كيوم عاشوراء فلا يصح.
5-صلاة الرغائب:
استحب المتصوفة الجهال صلاة ثنتي عشرة ركعة في أول ليلة جمعة من رجب بين المغرب والعشاء وروا في ذلك حديثا موضوعا مختلقا عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يثبت عنه وهذه البدعة أحدثت في بيت المقدس في أواخر القرن الخامس ولا تعرف عن أهل القرون المفضلة. قال ابن تيمية: (هذه الصلاة لم يصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة المسلمين ولا رغب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السلف ولا الأئمة ولا ذكروا لهذه الليلة فضيلة تخصها والحديث المروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بذلك ولهذا قال المحققون إنها مكروهة غير مستحبة). وقال ابن رجب في بيان بدعيتها: (فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء). وكذلك الصلاة في ليلة النصف من رجب عمل محدث ليس له أصل في السنة.
6-الزكاة في رجب:
يظن بعض العامة أن إخراج الزكاة في شهر رجب له فضيلة خاصة فيتحرون إخراجها في هذا الشهر ولو لم يوافق انتهاء الحول تحريا لشرف رجب وكذلك يعتقدون أن الصدقة في رجب لها فضل خاص وهذا العمل منكر ليس عليه دليل في الشرع ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن العطار: (وما يفعله الناس في هذه الأزمان من إخراج زكاة أموالهم في رجب دون غيره من الأزمان لا أصل له بل حكم الشرع أنه يجب إخراج زكاة الأموال عند حولان حولها بشرطه سواء كان رجبا أو غيره). وقال ابن رجب: (وأما الزكاة فقد اعتاد أهل هذه البلاد – يعني دمشق – إخراجها في شهر رجب ولا أصل لذلك في السنة ولا عرف عن أحد من السلف). فعلى هذا ينبغي على المسلم أن لا يتحرى إخراج الزكاة في رجب ولا يتكلف موافقة هذا الشهر لكن لو وافق حوله رجب فلا حرج عليه حينئذ إخراجها فيه ولا ينبغي أن يعتقد للصدقة مزية خاصة في هذا الشهر.
7-ذبيحة العتيرة:
كان أهل الجاهلية يذبحون ذبيحة يسمونها العتيرة يتقربون بها إلى الله في رجب وقد استحبها بعض العلماء ثم جاء الإسلام ونسخها وذهب عامة الفقهاء إلى إبطالها وعدم مشروعيتها وهو الصحيح لما ثبت في صحيح مسلم في النهي عنها و ما ورد في مشروعيتها فيه مقال ولا يقوى على معارضة الصحيح ولأن هذا العمل من شعار الجاهلية والشريعة جاءت بالنهي عن التشبه بأهل الجاهلية ولهذا قال الحسن البصري: (ليس في الإسلام عتيرة إنما كانت العتيرة في الجاهلية كان أحدهم يصوم رجب ويعتر فيه). وقال ابن رجب في اللطائف: (العتيرة اختلف العلماء في حكمها في الإسلام فالأكثرون على أن الإسلام أبطلها وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا فرع ولا عتيرة). وذهب بعض القائلين باستحبابها إلى عدم نخصيصها في رجب لما ورد في السنة. فعلى هذا لا يشرع للإنسان أن يخص رجب بذبح ذبيحة وتقسيمها على الفقراء أو تخصيص يوما معينا لذلك لأنه لم يرد في السنة.
8-الاحتفال بيوم الإسراء والمعراج:
اعتاد المبتدعة على الاحتفال في ليلة السابع والعشرين في رجب على أنه اليوم الذي أسري فيه بالنبي صلى الله عليه وسلم فيتباشرون ويحتفلون بالقصائد والطعام والحلوى وغير ذلك من المراسم البدعية وهذا العمل محدث ليس له أصل في السنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل به ولا أحد من أصحابه ولا أحد من السلف الصالح وقد أنكر أهل العلم هذا الاحتفال قال ابن رجب: (ويشبه الذبح في رجب اتخاذه موسما وعيدا كأكل الحلوى ونحوها). وتعيين الإسراء بهذا اليوم لا يصح من حيث النقل وقد اضطرب المؤرخون في تحديده قال ابن تيمية: (لم يقم دليل معلوم لا على شهرها ولا على عشرها ولا على عينها بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ليس فيها ما يقطع به). فلا يشرع للمسلم أن يحتفل بصيام هذا اليوم ولا بقيام ليلته ولا يقيم مناسبة دينية يجمع فيها الناس ولا يشرع له أن يهنأ أحدا ويبارك له في هذا اليوم وما انتشر عند كثير من العوام من الاعتقاد أن الاحتفال فيه سنة وقربة فباطل مخالف للشرع لا تجوز متابعتهم ولا تأييدهم عليه بل يجب الإنكار عليهم وتبيين لهم السنة لئلا تندرس معالم هذا الدين في نفوسهم.
والحاصل أن شهر رجب لم يثبت في السنة فيما أعلم تخصيصه بشيء من الأعمال ولا يثبت له فضيلة خاصة بل حكمه حكم سائر الأشهر الحرم ولا ينبغي للمؤمن أن يغتر بكلام بعض الفقهاء في هذا الباب لأن العبرة في معرفة الحق بالقول الموافق للدليل ولهذا قال ابن حجر: (لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ). وإنما أحدث فيه أهل البدع أعمالا مبتدعة فلا يخصص بعمل من الأعمال لا بصيام ولا صلاة ولا قيام ولا عمرة ولا غسل ولا صدقة ولا غيره من الأعمال ولكن من كان مواظبا على عمل معين في سائر الشهور فليواصل عمله في رجب لأنه لم يعتقد خصوصيته بشيء ومن وجد في نفسه نشاطا وإقبالا على قربة لله فليتقرب إليه من غير اعتقاد الخصوصية والسنية في هذه العبادة. وينبغي على المسلم الذي يريد الجنة الراغب في ثواب الله والنجاة من النار أن يكون متبعا للشرع ظاهرا وباطنا ولا يعظم هذا الشهر تعظيم أهل الجاهلية ولا يتعبد الله بالرأي والاستحسان من قبل نفسه لأن العبادات توقيفية لا يشرع شيء منها شيء إلا ما ثبت في الدليل وليست العبرة بكثرة العمل إنما العبرة في موافقة السنة والإخلاص. ومما يؤكد على أن شهر رجب لم يخصه الشارع بعمل معين دون غيره أنه لم يرد في الشرع موسم فاضل استحب فيه عمل دون غيره فقاعدة الشارع إذا استحب العمل في زمان جعله مشروعا في كل عمل يقرب إلى الله كرمضان وعشر ذي الحجة يشرع فيها جميع الأعمال المالية والبدنية. وتعظيم شهر رجب تعظيما بدعيا من شعار المتصوفة والرافضة الذين أحدثوا له كثيرا من الأذكار والأعمال والقرب كما هو مدون في أصولهم وجعلوا رجبا في منزلة رمضان وذي الحجة في الفضل وهذا التعظيم من رواسب الجاهلية أما الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه فلم يكونوا يحفلوا بهذا الشهر ولم يخصوه بأعمال وفضائل والله تعالى أعلم.
ونسأل الله أن يحشرنا في زمرته صلى الله عليه وسلم ويسقينا من حوضه غير مبدلين ولا مفتونين.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
خالد بن سعود البليهد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. وبعد:
فلا شك أن رجب من الأشهر الحرم التي حرمها الله وعظمها في قوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ). وفي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القَعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان).
وتحريم شهر رجب يقتضي عظم حرمته بين الشهور وتعظيم المعاصي فيه والسيئات في ظلم النفس وظلم الغير قال قتادة: (اعلموا أن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها وإن كان الظلم على كل حال عظيما ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء). ويقتضي أيضا تفاضل الأعمال الصالحة وتعظيم الحسنات لأن العمل يفضل في الزمان الفاضل والمكان الفاضل كما ورد في النصوص الشرعية فالطهارة والصلاة والصوم والبر والإحسان والصدقة والذكر والدعاء وسائر التطوعات يعظم فضلها وثوابها في هذا الشهر العظيم لكن هذا الفضل ثابت له ولسائر الأشهر الحرم على سبيل العموم بعموم الأدلة وليس خاصا برجب قال ابن كثير: (وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (إن عدة الشهور عند الله) الآية فلا تظلموا فيهن أنفسكم في كلهن ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم). ولم يرد دليل خاص يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضله خصوصا أو فضيلة عمل معين وما ورد في بعض الأعمال فضعيف عند أهل الحديث لا تقوم به حجة ولا يصح العمل به. ومن ذلك:
1-الدعاء عند دخوله:
ورد في عمل اليوم والليلة لابن السني وشعب الإيمان للبيهقي عن أنس بن مالك قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان). وهذا الدعاء شائع عند العامة ولكنه حديث منكر لا يصح ضعفه ابن رجب وابن حجر لأنه من رواية زائدة بن أبي الرقاد تكلم فيه البخاري وغيره قال أبو حاتم: (يحدث عن زياد النميري عن أنس أحاديث مرفوعة منكرة). فعلى هذا لا يشرع الدعاء بهذا الدعاء ولا يخصص دخول رجب بشيء من الدعاء لأنه لم يرد في الشرع وما ورد في فضل الاستغفار والتهليل في رجب موضوع لا يعرف إلا عند الرافضة.
2-التبريك بدخول رجب:
اشتهر عند العامة تبادل التبريكات والتهنئة بدخول شهر رجب فترى أحدهم يستفتح حديثه بتهنئة السامعين أو يرسل تهنئة لغيره بدخول رجب ويشكر الله على هذه النعمة وهذا العمل مجرد استحسان ليس له أصل في السنة لأن الشارع لم يعتبر دخول رجب مناسبة خاصة فلا ينبغي للإنسان أن يعمل عملا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا عن أئمة الهدى المتحرين للسنة الحريصين على متابعة الشرع.
3-الاغتسال عند دخوله:
انتشر عند بعض الطوائف مشروعية الاغتسال في أول ليلة من رجب وفي ليلة النصف من رجب ويرون أن هذه من الأغسال المستحبة وهذا القول أحدثه الرافضة وليس له أصل في السنة ولا يعرف من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا السلف فيما اطلعت عليه فعلى هذا لا يشرع للمسلم أن يعتقد أفضلية الغسل في رجب أو يخصه بيوم معين بالغسل وإنما يغتسل في الوقت والحال المشروع في يوم الجمعة وغيره مما ورد في السنة.
3- العمرة في رجب:
اشتهر عند العامة تخصيص رجب بعمرة ويرون لها فضلا عظيما ومزية خاصة ويوردون فيها آثارا مرجوحة فترى أحدهم يعتقد سنية عمرة رجب ويجتهد في أدائها وربما يبالغ فيها أكثر من اجتهاده وحرصه على عمرة رمضان وهذا العمل صار من شعار الجهال ولا يعرف عن أهل العلم المحققين والحق أنه لا يشرع تخصيص رجب بالعمرة لأنه لم يرد دليل في الشرع يدل عليها ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب ألبتة كما جاء في البخاري عن ابن عمر (رضي الله عنهما قال: (إن رسول الله اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب قالت (أي عائشة): يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط). ولهذا أنكر أهل العلم تخصيصه بعمرة قال ابن العطار: (ومما بلغني عن أهل مكة اعتيادهم كثرة الاعتمار في رجب وهذا مما لا أعلم له أصلاً). وأما ما ورد عن عمر رضي الله عنه وغيره من السلف أنهم كانوا يستحبون العمرة في رجب فهذا مبني على اختيارهم في نسك الحج وأن الأفضل أن تؤدى العمرة بسفر والحج في سفر مستقل واستحبابهم اجتهاد منهم وهو قوله مرجوح لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل عمرة رجب لا من فعله ولا من قوله وإنما ثبت فضل عمرة رمضان فلا يشرع تخصيص زمان بعمل لم يرد في الشرع وآثار الصحابة لا يعمل بها إذا كانت مخالفة للسنة أو لم يقع اتفاق عليها كما هو الحال في مسألتنا ومسألة متعة الحج ومسألة إتمام الصلاة في منى وغيرها مما اشتهر القول بمشروعية عمل أو إنكار عبادة عن بعض الصحابة في فترة معينة لخفاء الدليل أو الاجتهاد في عمل الخير ثم تبين في السنة خلاف ذلك القول وهذا له شواهد كثيرة في السنة. والحاصل أنه لا حرج على المسلم فعل العمرة في رجب لفراغه وغير ذلك من الأسباب لأنه عمل صالح لكن لا يعتقد خصوصيتها ومزية فضلها في رجب ولا يواظب عليها.
4-الصوم في رجب:
يستحب بعض العامة الصوم في رجب ويعتقد أن له مزية فتراه يصوم الشهر كله أو أياما معينة وهذا العمل ليس له أصل وإن استحبه طائفة من الفقهاء لأنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخص رجب أو بعض أيامه بصيام ولا يثبت في هذا الباب شيء. قال ابن تيمية: (وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة بل موضوعة لا يعتمد أهل العلم على شيء منها وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل بل عامتها من الموضوعات المكذوبات). وقال ابن القيم: (كل حديث في ذكر صيام رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى). وورد إنكار الصحابة لهذا العمل ففي مصنف أبي شيبة قال خرشة بن الحر: (رأيت عمر يضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان ويقول كلوا فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية) وذكر ابن قدامة في المغني: (أن أبا بكرة رضي الله عنه دخل على أهله وعندهم سلال جدد وكيزان فقال ما هذا فقالوا رجب نصومه قال أجعلتم رجبا رمضان فأكفأ السلال وكسر الكيزان). فعلى هذا تخصيص رجب بصوم الشهر كله أو بعضه واعتقاد سنيته غير مشروع لكن لو صام بعضه المسلم لفراغه أو كانت له راتبة في الصوم على سبيل التطوع العام أو وافق صوم الأيام الشرعية كالإثنين والخميس وأيام البيض فحسن أما أن يعتقد الخصوصية في صوم يوم معين وأن له فضل خاص كيوم عاشوراء فلا يصح.
5-صلاة الرغائب:
استحب المتصوفة الجهال صلاة ثنتي عشرة ركعة في أول ليلة جمعة من رجب بين المغرب والعشاء وروا في ذلك حديثا موضوعا مختلقا عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يثبت عنه وهذه البدعة أحدثت في بيت المقدس في أواخر القرن الخامس ولا تعرف عن أهل القرون المفضلة. قال ابن تيمية: (هذه الصلاة لم يصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة المسلمين ولا رغب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السلف ولا الأئمة ولا ذكروا لهذه الليلة فضيلة تخصها والحديث المروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بذلك ولهذا قال المحققون إنها مكروهة غير مستحبة). وقال ابن رجب في بيان بدعيتها: (فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء). وكذلك الصلاة في ليلة النصف من رجب عمل محدث ليس له أصل في السنة.
6-الزكاة في رجب:
يظن بعض العامة أن إخراج الزكاة في شهر رجب له فضيلة خاصة فيتحرون إخراجها في هذا الشهر ولو لم يوافق انتهاء الحول تحريا لشرف رجب وكذلك يعتقدون أن الصدقة في رجب لها فضل خاص وهذا العمل منكر ليس عليه دليل في الشرع ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن العطار: (وما يفعله الناس في هذه الأزمان من إخراج زكاة أموالهم في رجب دون غيره من الأزمان لا أصل له بل حكم الشرع أنه يجب إخراج زكاة الأموال عند حولان حولها بشرطه سواء كان رجبا أو غيره). وقال ابن رجب: (وأما الزكاة فقد اعتاد أهل هذه البلاد – يعني دمشق – إخراجها في شهر رجب ولا أصل لذلك في السنة ولا عرف عن أحد من السلف). فعلى هذا ينبغي على المسلم أن لا يتحرى إخراج الزكاة في رجب ولا يتكلف موافقة هذا الشهر لكن لو وافق حوله رجب فلا حرج عليه حينئذ إخراجها فيه ولا ينبغي أن يعتقد للصدقة مزية خاصة في هذا الشهر.
7-ذبيحة العتيرة:
كان أهل الجاهلية يذبحون ذبيحة يسمونها العتيرة يتقربون بها إلى الله في رجب وقد استحبها بعض العلماء ثم جاء الإسلام ونسخها وذهب عامة الفقهاء إلى إبطالها وعدم مشروعيتها وهو الصحيح لما ثبت في صحيح مسلم في النهي عنها و ما ورد في مشروعيتها فيه مقال ولا يقوى على معارضة الصحيح ولأن هذا العمل من شعار الجاهلية والشريعة جاءت بالنهي عن التشبه بأهل الجاهلية ولهذا قال الحسن البصري: (ليس في الإسلام عتيرة إنما كانت العتيرة في الجاهلية كان أحدهم يصوم رجب ويعتر فيه). وقال ابن رجب في اللطائف: (العتيرة اختلف العلماء في حكمها في الإسلام فالأكثرون على أن الإسلام أبطلها وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا فرع ولا عتيرة). وذهب بعض القائلين باستحبابها إلى عدم نخصيصها في رجب لما ورد في السنة. فعلى هذا لا يشرع للإنسان أن يخص رجب بذبح ذبيحة وتقسيمها على الفقراء أو تخصيص يوما معينا لذلك لأنه لم يرد في السنة.
8-الاحتفال بيوم الإسراء والمعراج:
اعتاد المبتدعة على الاحتفال في ليلة السابع والعشرين في رجب على أنه اليوم الذي أسري فيه بالنبي صلى الله عليه وسلم فيتباشرون ويحتفلون بالقصائد والطعام والحلوى وغير ذلك من المراسم البدعية وهذا العمل محدث ليس له أصل في السنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل به ولا أحد من أصحابه ولا أحد من السلف الصالح وقد أنكر أهل العلم هذا الاحتفال قال ابن رجب: (ويشبه الذبح في رجب اتخاذه موسما وعيدا كأكل الحلوى ونحوها). وتعيين الإسراء بهذا اليوم لا يصح من حيث النقل وقد اضطرب المؤرخون في تحديده قال ابن تيمية: (لم يقم دليل معلوم لا على شهرها ولا على عشرها ولا على عينها بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ليس فيها ما يقطع به). فلا يشرع للمسلم أن يحتفل بصيام هذا اليوم ولا بقيام ليلته ولا يقيم مناسبة دينية يجمع فيها الناس ولا يشرع له أن يهنأ أحدا ويبارك له في هذا اليوم وما انتشر عند كثير من العوام من الاعتقاد أن الاحتفال فيه سنة وقربة فباطل مخالف للشرع لا تجوز متابعتهم ولا تأييدهم عليه بل يجب الإنكار عليهم وتبيين لهم السنة لئلا تندرس معالم هذا الدين في نفوسهم.
والحاصل أن شهر رجب لم يثبت في السنة فيما أعلم تخصيصه بشيء من الأعمال ولا يثبت له فضيلة خاصة بل حكمه حكم سائر الأشهر الحرم ولا ينبغي للمؤمن أن يغتر بكلام بعض الفقهاء في هذا الباب لأن العبرة في معرفة الحق بالقول الموافق للدليل ولهذا قال ابن حجر: (لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ). وإنما أحدث فيه أهل البدع أعمالا مبتدعة فلا يخصص بعمل من الأعمال لا بصيام ولا صلاة ولا قيام ولا عمرة ولا غسل ولا صدقة ولا غيره من الأعمال ولكن من كان مواظبا على عمل معين في سائر الشهور فليواصل عمله في رجب لأنه لم يعتقد خصوصيته بشيء ومن وجد في نفسه نشاطا وإقبالا على قربة لله فليتقرب إليه من غير اعتقاد الخصوصية والسنية في هذه العبادة. وينبغي على المسلم الذي يريد الجنة الراغب في ثواب الله والنجاة من النار أن يكون متبعا للشرع ظاهرا وباطنا ولا يعظم هذا الشهر تعظيم أهل الجاهلية ولا يتعبد الله بالرأي والاستحسان من قبل نفسه لأن العبادات توقيفية لا يشرع شيء منها شيء إلا ما ثبت في الدليل وليست العبرة بكثرة العمل إنما العبرة في موافقة السنة والإخلاص. ومما يؤكد على أن شهر رجب لم يخصه الشارع بعمل معين دون غيره أنه لم يرد في الشرع موسم فاضل استحب فيه عمل دون غيره فقاعدة الشارع إذا استحب العمل في زمان جعله مشروعا في كل عمل يقرب إلى الله كرمضان وعشر ذي الحجة يشرع فيها جميع الأعمال المالية والبدنية. وتعظيم شهر رجب تعظيما بدعيا من شعار المتصوفة والرافضة الذين أحدثوا له كثيرا من الأذكار والأعمال والقرب كما هو مدون في أصولهم وجعلوا رجبا في منزلة رمضان وذي الحجة في الفضل وهذا التعظيم من رواسب الجاهلية أما الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه فلم يكونوا يحفلوا بهذا الشهر ولم يخصوه بأعمال وفضائل والله تعالى أعلم.
ونسأل الله أن يحشرنا في زمرته صلى الله عليه وسلم ويسقينا من حوضه غير مبدلين ولا مفتونين.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.