الأحد 12 أكتوبر - 4:34
محمد رسول الله عليه الصلاة و السلام ,
كما لا ينبغي لبشر أن يكون : أعلى مراتب الإنسانية , و أجلى صور الرحمة و العفو.
إن الرحمة التي سكنت قلب سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام لرحمة مثالية لا تنبغي لغيره من البشر , و فيها قال عز و جل :"
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" التوبة 128
و من مظاهر رحمته عليه الصلاة و السلام :
أنه لما فتح القموص حصن بني أبي الحقيق ( من خيبر) أتى رسول الله عليه الصلاة و السلام بصفية بنت حيي بن أخطب و بأخرى , فمر بهما بلال على قتلى يهود , فلما رأتهم الجارية التي مع صفية صاحت , و صكت وجهها , و حثت التراب على رأسها فما رأى رسول الله بتلك الجارية ما رأى قال : "أنزعت من قلبك الرحمة يا بلال حتى تمر بامرأتين على قتلى رجالهما؟" البداية و النهاية (4/197)
و لم تكن رحمته صلى الله عليه و سلم قاصرة على بني الناس
فحسب, بل تعدت إلى الحيوانات, فكان يقول صلى الله عليه و سلم:"في كل ذات كبد رطب أجر". متفق عليه
و يقول: "عذبت امرأة في هرة, أوثقتها فلم تطعمها و لم تسقها, ولم تدعها تأكل من خشاش الارض حتى ماتت". متفق عليه و اللفظ لمسلم
و أخبر مقررا الرحمة و آثارها في أهلها فقال: "بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل, فنزعت موقها فسقته, فغفر لها به" متفق عليه
أجل و هكذا قد كان الحبيب رحيما بالبشر رحيما بكل ذات
كبد رطب , و هذا ما زاد الناس فيه حبا وله ولاءا , لا فرق في ذلك بين الصديق و
العدو , فقد أحاط أحباءه بعطفه , و أهدى لمن عاداه عفوه الشاسع, فقد عفا عليه
الصلاة و السلام عمن آذاه و قاتله و حاربه و أخرجه من احب البقاع على قلبه , و
اتهمه بالكذب , و لكنه فاجأهم بأن عفا عنهم يوم فتح مكة و آثر تطبيق العفو عند المقدرة.
كما صح أنه كان عليه الصلاة و السلام في غزاة فأعطى
رجاله فرصة للاستراحة فيها, فانتشروا في واد يستريحون فيه تحت ظلال أشجاره , و أتى
هو شجرة فعلق سيفه في أحد أغصانها و نام , فجاء أعرابي من المشركين فاخترط السيف و قال للرسولعليه
الصلاة و السلام : من يمنعك مني يا محمد؟ فرفع إليه رسول الله عليه الصلاة و السلام رأسه و قال :
"الله" فارتاع الرجل , و سقط السيف من يده, فتناوله الرسول عليه الصلاة و السلام و قال: " من يمنعك
أنت الآن مني؟" فقال الأعرابي: لا أحد , فعفا عنه الرسول عليه الصلاة و السلام و انصرف.
تلكم هي نفحات من رحمته و عفوه عليه الصلاة و السلام ,
جاء بها لينير عالما كانت تسوده الحروب و العصبية و الثار و حب الانتصار للذات ,
ليأتي هو فيعلمنا سعة الصدر و العفو و الرحمة و العفو عند المقدرة , و غيرها كثير
من الأخلاق الفاضلة , التي جعلت بالفعل من العالم مكانا آمنا سعيدا. و ليس ذلك بغريب عنه , أوليس من خلقه القرآن ؟
المادة العلمية من كتاب عقيدة المؤمن للشيخ أبو بكر جابر الجزائري.