الأربعاء 17 يوليو - 14:11
(عمرة في رمضان) : صفة العمرة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه
أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد جاءت نصوص كثيرة جداً في فضل العمرة من ذلك ما جاء في حديث أبي
هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))1، وجاء في فضل المتابعة بين الحج والعمرة حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكثير خبث الحديد والذهب والفضة...))2.
وأفضل وقت للعمرة هو في رمضان، فإن للعمرة فيه مزية خاصة عن بقية شهور
السنة فقد جاء في الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما رجع
النبي - صلى الله عليه وسلم - من حجته قال لأم سنان الأنصارية: ((ما منعك من الحج؟))
قالت: أبو فلان - تعني زوجها - له ناضحان - أي جملان -، حجَّ على
أحدهما، والآخر يسقي أرضاً لنا، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -:
((فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تقضي حجة معي))3، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - العمرة في رمضان تعدل حجة، وليس أي حجة بل حجة معه - عليه الصلاة والسلام -.
وإليك أخي - وفقني الله وإياك لطاعته - صفة العمرة على سبيل الإيجاز والاختصار:
أولاً: الإحرام من الميقات: ومواقيت الحج أو العمرة هي كالتالي:
1- ذو الحليفة وهو المسمى عند الناس اليوم أبيار علي، وهو ميقات أهل المدينة.
2 - الجحفة وهي ميقات أهل الشام، وهي قرية خراب تلي رابغ، ورابغ ميقات
أهل مصر والشام، ومن يمرُّ عليها بعد ذهاب معالم الجحفة، ومن أحرم من رابغ
فقد أحرم من الميقات؛ لأن رابغ قبلها بيسير.
3- قرن المنازل وهو المسمى اليوم السيل، وهو ميقات أهل نجد.
4- يلملم وهو ميقات أهل اليمن.
5- ذات عرق وهي ميقات أهل العراق4.
والأصل في تحديد المواقيت حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "إِنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ
الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ،
وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ،
وقال: ((هُنَّ لَهُنَّ
وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى
أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ))5،
وكذلك حديث عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - "أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ
الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْق"6، فيحرم كل من كان من أهل بلد من المكان الذي حدده النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم.
ويكون الإحرام بعد أن يغتسل - ويسنُّ الاغتسال قبل دخول مكة إن تيسر ذلك
-، ثم يتطيِّب في بدنه ورأسه ولحيته، ولا يطيب لباس إحرامه؛ فإن أصابه
طيب فليغسله، ويتجرد من المخيط، ويلبس رداءً وإزاراً أبيضين ونعلين؛ هذا
بالنسبة للرجل، وأما المرأة فإنها تغتسل ولو كانت حائضاً، وتلبس ما شاءت
بشرط أن يتوافر في اللباس جميع شروط الحجاب؛ فلا يظهر منها شيء، ولا
تتبرج بزينة، ولا تتطيب، ولا تتشبه بالرجال.
فإن لم يتيسر أن يقف عند الميقات - كالمسافر بالطائرة - فليغتسل من بيته،
فإذا حاذى الميقات فليحرم، وليقل: "لبيك عمرة"، وإن خاف ألا يتمكن من
إكمال النسك لمرض أو نحوه فليقل: "فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني"؛ لما
جاء في حديث ضباعة بنت الزبير - رضي الله عنها - أنها قالت: يا رسول
الله إني أريد الحج وأنا شاكية؟ فقال: ((حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني))7،
ثم ليبدأ بالتلبية حتى يصل مكة، والتلبية سنة مؤكدة للرجال والنساء،
ويسنُّ للرجال رفع الصوت بها دون النساء، وصفة التلبية: "لبيك اللهم لبيك،
لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".
فإذا أحرم الإنسان من الميقات فإنه يحرم عليه أن يفعل الأمور التالية حتى يتحلل من إحرامه، وهي:
إزالة الشعر، وتقليم الأظافر، واستعمال الطيب، وقتل الصيد البري أما
البحري فجائر، ولبس المخيط (على الرجال دون النساء)، وكذلك يحرم تغطية
الرأس أو الوجه بملاصق (على الرجال) كالطاقية، والغترة، والعمامة،
والقبعة، وما شابه ذلك؛ ويجوز الاستظلال بالشمسية، والخيمة، والسيارة،
ويجوز حمل المتاع على الرأس إذا لم يقصد به التغطية، ويحرم على المحرم عقد
النكاح، ومن باب أولى الجماع ومقدماته كالمباشرة بشهوة، أو إنزال المني
باستمناء.
ويحظر على المرأة لبس النقاب
والقفازين، فإذا كانت أمام رجال أجانب وجب ستر الوجه واليدين بغير النقاب
والقفاز؛ كسدل الخمار على الوجه، وإدخال اليدين في العباءة.
ثانياً: إذا وصل المعتمر إلى المسجد الحرام فليقدم رجله اليمنى
قائلاً: "بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي
أبواب رحمتك"، "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من
الشيطان الرجيم"، وهذا الدعاء يقال عند دخول سائر المساجد أيضاً.
ثالثاً: ثم يبدأ بالطواف من الحجر الأسود؛
وذلك بأن يستقبل الحجر الأسود، ويقول: "الله أكبر"، ويستلمه بيمينه
ويقبِّله إن تيسر له ذلك، وإن لم يتيسر التقبيل فليستلمه بيده أو بغيرها،
وليقبل ما استلمه به، فإن لم يتيسر له ذلك فلا يزاحم الناس، وإنما يشير
إليه بيده مرة واحدة، ولا يقبل يده، ويفعل ذلك في بداية كل شوط من أشواط
الطواف.
ثم يطوف سبعة أشواط جاعلاً البيت عن
يساره؛ يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، ويمشي في الباقي (والرمل هو: سرعة
المشي مع تقارب الخطى)، ويضطبع في جميع الأشواط (والاضطباع هو: أن يجعل
وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر)، والرمل والاضطباع
مختصان بالرجال، وكذلك مختصان بطواف العمرة أو بطواف القدوم للقارن
والمفرد في الحج".
فإذا وصل إلى الركن اليماني
فيستلمه بيده إن تيسر ذلك ولا يقبله، فإن لم يتيسر فلا يشير إليه، ويستحب
أن يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: {رَبّنَآ ءَاتِنَا فِي الدُنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النّارِ}8، وليس في الطواف ذكر مخصوص ثابت غير هذا، ويستحب: كثرة الذكر والدعاء، وإن قرأ شيئاً من القرآن فحسن.
رابعاً: إذا انتهى من الشوط السابع عند محاذاة الحجر الأسود فليغط كتفه الأيمن، وليذهب إلى مقام إبراهيم إن تيسر، ويقرأ قوله - تعالى -: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}9، ويجعل المقام بينه وبين الكعبة إن تيسر، ثم يصلي ركعتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}10، وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}11.
خامساً: ثم يذهب إلى زمزم فيشرب من مائها، ويدع الله، ويصُب على رأسه، ثم إن تيسر فيرجع إلى الحجر الأسود ويستلمه.
سادساً: ثم يتوجه إلى الصفا، فإذا دنا منه قرأ قوله - تعالى -: {إن الصّفَا وَالمَروةَ مِن شَعَائِرِ اللّه}12،
ويقول: "نبدأ بما بدأ الله به"، ويصعد الصفا، ويستقبل الكعبة، ويكبّر
ثلاثاً، ويقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد،
يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز
وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، يكرر هذا الذكر ثلاث مرات، ويدع
بين كل مرة وأخرى بما شاء من الدعاء.
سابعاً: ثم ينزل ليسعى بين الصفا والمروة،
وإذا كان بين العلمين الأخضرين فليسع بينهما سعياً شديداً، "والسعي
الشديد خاص بالرجال دون النساء"، فإذا وصل إلى المروة فليصعد عليها،
وليستقبل الكعبة، وليقل كما قال على الصفا، وهكذا يصنع في باقي الأشواط،
الذهاب شوط والعودة شوط حتى يكمل سبعة أشواط؛ فيكون نهاية الشوط السابع
بالمروة، وليس للسعي ذكر مخصوص، وإنما يكثر مما شاء من الذكر، والدعاء،
وقراءة القرآن.
ثامناً: إذا انتهى من السعي فليحلق رأسه أو يقصره،
والحلق أفضل للمعتمر إلا أن يكون الحج قريباً فالتقصير أفضل؛ ليكون
الحلق في الحج، ولا يكفي تقصير بعض الشعر من مقدمة الرأس ومؤخرته؛ كما
يفعله بعض الناس، بل لا بد من تقصير جميع شعر الرأس أو أكثره، أما المرأة
فتجمع شعرها، وتأخذ منه قدر الأنملة، وإذا كان شعرها مدرجاً "أي متفاوت
الطول" فتأخذ من كل درجة.
وبهذا يكون المسلم أو المسلمة قد فرغ من أداء مناسك العمرة، فليسأل الله الإخلاص والقبول.
نسأل الله - تعالى - أن يتقبل منا ومن جميع المسلمين أعمالهم، وأن يثيبنا
وإياهم على ذلك الثواب الجزيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
************************************************** ******
1 رواه البخاري (1650) ومسلم(2403).
2 أخرجه الترمذي(738)، والنسائي(2583)، وابن ماجه (2878)، وقال الألباني: "صحيح" كما في صحيح الجامع، رقم (2901).
3 رواه البخاري (1730).
4
يراجع: التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة
والزيارة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (1/18), وفقه السنة
لـ(سيد سابق) (1/653).
5 رواه البخاري (1427)، ومسلم(2032).
6 أخرجه أبو داود (1477)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6629).
7 رواه مسلم (2102).
8 سورة البقرة (201).
9 سورة البقرة (125).
10 سورة الكافرون (1).
11 سورة الإخلاص (1).
12 سورة البقرة (158).