الأربعاء 3 يوليو - 23:24
في أوائل صفر من السنة الحادية عشرة للهجرة مرض النبي صلى
الله عليه وسلم بالحمى، واستمر ثلاثة عشر يومًا يتنقل في بيوت أزواجه ،
ولما اشتد عليه مرضه استأذن
منهن أن يتمرض في بيت عائشة فأذنَّ له، ولما تعذر عليه الخروج إلى الصلاة
قال: "مروا أبا بكر فليصلّ بالناس" ، ولما رأى الأنصار اشتداد مرضه أطافوا
بالمسجد
قلقين ، فخرج إليهم عليه الصلاة والسلام معصوب الرأس، متوكئًا على عليّ
والفضل يتقدمهم العباس ، حتى جلس وأحاط به الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال: "أيها
الناس بلغني أنكم تخافون من موت نبيكم. هل خلد نبي قبلي فيمن بعث الله
فأخلد فيكم؟ ألا إني لاحق بهم وإنكم لاحقون بي ، فأوصيكم بالمهاجرين
الأولين خيرًا وأوصى
المهاجرين فيما بينهم" إلى أن قال :"ألا وأني فَرَط لكم (أي: سابق) وأنتم
لاحقون بي ، ألا فإن موعدكم الحوض ، ألا فمن أحب أن يَرِده علي غدا فليكف
يده ولسانه
إلا فيما ينبغي". وبينما المسلمون في صلاة الفجر يوم الاثنين ثالث عشر ربيع
الأول؛ وأبو بكر رضي الله عنه يصلي بهم؛ إذا برسول الله صلى الله عليه
وسلم قد كشف
ستر حجرة عائشة رضي الله عنها ، فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة وتبسم، فظن
أبو بكر أن رسول الله يريد أن يخرج للصلاة فتقهقر إلى الصف، وكاد المسلمون
يفتتنون
في صلاتهم فرحًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليهم بيده أن أتموا
صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر، ثم حضرته الوفاة ورأسه الشريف على فخذ
عائشة
رضي الله عنها، فقال: "اللهم في الرفيق الأعلى"، ولم تأت ضحوة ذلك اليوم
حتى فارق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحياة الدنيا ولحق بربه عز
وجل. ولم يكن
أبو بكر رضي الله عنه موجودًا في ذلك الوقت بالقرب من منزل عائشة، فلما حضر
وأخبر الخبر دخل بيت عائشة وكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وجعل يقبله
ويبكي ويقول : صلوات الله عليك يا رسول الله، ما أطيبك حيًا وميتًا. ثم خرج
إلى الناس وقال: ألا إن من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ، ومن كان
يعبد الله
فإن الله حي لا يموت. ثم مكث عليه الصلاة والسلام في بيته بقية يوم الاثنين
وليلة الثلاثاء ويومه وليلة الأربعاء، حتى انتهي المسلمون من إقامة خليفة
لهم، وتفرغوا
لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه، فغسله علي بن أبي طالب بمساعدة
العباس وابنيه الفضل وقثم وأسامة بن زيد وشقران مولَيَي رسول الله صلى الله
عليه وسلم،
ثم كُفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة ، ووُضع على سريره في
بيته، فدخل الناس يصلون عليه فرادى لا يؤمهم أحد ، ثم حفر اللحد في موضع
وفاته من حجرة
عائشة ورُش بالماء، وأنزله فيه علي والعباس وولداه الفضل وقثم، وقد رفع
قبره الشريف عن الأرض قدر شبر. وقد بلغ عمره الشريف ثلاثًا وستين سنة، مكث
منها بمكة
ثلاثة وخمسين سنة، وبالمدينة المنورة عشر سنين، صلى الله عليه وسلم.
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين