الإثنين 24 يونيو - 21:24
الحمدُ لله الذى جَعل فضلَ عثمانَ بعد فضلِ الشيخين، وأَعلَى أعلامَه بين الإنس والجان، وأَلبَسَه حلَّة الشرفِ،
حيث بشَّره النبي - صلى الله عليه وسلم - العدنان، ليس بجنةٍ ولكن بجنان
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، شهادةً تنظمنا فى أبناء الصحابةِ المتَّقينَ، وتَهدِينا إلى سنن السنة آمنِينَ
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، الذى أرشده إلى الشريعةِ البيضاءِ، وأَعلَن بفضلِ عثمانَ حتى كان أوَّل المهاجرين،
وذا النُّورَينِ، وصاحب الهِجرتينِ، والمصلِّي للقبلتينِ، وثالثَ الخلفاء الراشدِينَ
لو لم أشارِك القاريء الكريم طوالَ حياتي إلا بهذه الفِقرات المتواضِعة عن فضائلِ عثمانَ - رضي الله عنه -
لكَفَانِي ذلك شرفًا إلى أن تقومَ الساعةُ
ليس ذلك فحسبُ، بل وقفتُ - وأنا العبد الفقير، الذي لا يُساوِي شيئًا - أمامَ عمالقةِ التاريخِ،
الخلفاء الراشدين، وقفتُ عاجزًا عن شكرِ الله حقَّ شكرِه، أمام هذا المقامِ الرفيع الذي شرَّفنِي به الله،
فجعَلنِي وسيلةً لتذكيرِ الناس بشيءٍ من فضائلِ: أوَّلِ المهاجرين، وذي النورينِ، وثالث الخلفاء الراشدين،
ورابعِ أربعةٍ فى الإسلام، وأوَّلِ الخمسةِ الذين أسلموا على يدِ أبي بكرٍ،
وأوَّل
الستة الذين أخبر عنهم عمرُ أن رسول الله مات وهو راضٍ عنهم، ولا يَمُرُّ
سبعةُ أيام إلا ويَعتِق رقبةً، وثالثِ العَشَرِة المبشَّرين بالجنة
إنى وأَستَشعِر وأنا أُقدِم على الحديث عن عثمان - رضى الله عنه - بأني أمام قُدسٍ من الأقداس، ومحرابٍ طاهرٍ
أقولُ ذلك بالرغم من أنه - رضي الله عنه - ليس في حاجةٍ إلى مَن يُدافِع عنه فـ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
[الحج: 38]
وأقول ذلك أيضًا، بالرغم من أن دَورِي لا يَتَجاوَز في هذا العرض، مجرَّد النقلِ لما تيسَّر، عن مكانةِ،
وعلوِّ قدره - رضي الله عنه وأرضاه - فقد تَواضعت أقلامُنا، بل عَجَزت، أن تأتي بجديدٍ عن عثمان،
خاصَّة وقد نزل فيه من القرآن ما يُتلَى إلى يوم القيامة، فهل بعد حكمِ الله، من أقلام؟!
وهل بعد كلامِ الله من كلماتٍ؟! لكنه زمنٌ تمادى البعض فيه، فأَرَدنا أن نذكِّر ذلك البعض كـ: ﴿ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾
[الأعراف: 164]
عظيمٌ - واللهِ - شأنُك يا عثمانُ، جليلٌ قدرُك، ورفيعٌ ذكرُك، يَعجز اللسانُ عن ذكرِ مناقبِك،
وتَفرَح القلوب عند ذكرِ فضائلِك، بحرٌ زاخِرٌ، وطَودٌ بَاهِرٌ، وها نحن نَطرُق بابَ القرآن العظيم
- كلامِ ربِّ العالمين - ولنَدَعْه يتحدَّث عن صاحبِه، ومَن قيَّضه الله للحفاظ عليه وحتى تقومَ الساعةُ،
سيَظَلُّ المسلمون منذ عهدِ عثمانَ إلى أن تقوم الساعة يُضِيفُون اسمه إلى المصحفِ حتى يُثبِت أنه كلامُ ربِّ العالمين،
المنَزَّه عن التحريف؛ فسَنَظَل نَقُول: المصحف العثماني
ويَنقسِم هذا المقالُ إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
القسم الخاصُّ بأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم
القسم الثانى:
القسم الخاص بالسابقين الأولين من المهاجرين
القسم الثالث:
القسم الخاص بعثمان
القسم الأول: الخاص بأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عامةً، وعثمان على رأسهم:
قال تعالى:
﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ *
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ
وَمَا أُوتِيَ مُوسَى
وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ *
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾
[البقرة: 135-137]
في هذه الآياتِ ثناءُ اللهِ على إيمانِ الصحابةِ الكرام، بأن جَعَل إيمانَهم كالميزانِ لمن أراد أن يَعرِف إيمانَه،
وكفاية الله لأصحابِ النبي - صلى الله عليه وسلم - فهنيئًا لنا ونحن نتعرَّف على إيمانِ ذلك الجبل الشَّامِخ "عثمان بن عفان"،
ونحن على استحياء شديد
قال تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا
وَمَا
جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ
يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ
وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا
كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ
رَحِيمٌ ﴾
[البقرة: 143]
في هذه الآيةِ: ثناءُ اللهِ على أمَّة محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسِهم أصحابُه، بأن جَعَلهم أمَّة وسطًا،
تَشهَد على الناسِ يومَ القيامة، وهنيئًا مرَّة أخرى لعثمان اصطفاءُ الله له
قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ
يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
[البقرة: 218]
في هذه الآيةِ: ثناءُ اللهِ على المهاجرين والمهاجرات - رضى الله عنهم - بأنهم يَرجُون رحمةَ الله،
وأن الله غافرٌ لهم، وأنه رحيمٌ بهم، ورحمة خاصة، وغفران خاص لأول المهاجرين "عثمان بن عفان".
قال تعالى:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾
[آل عمران: 110]
في هذه الآيةِ: إثباتُ الخيريَّةِ لهذه الأمةِ على سائرِ
الأمم، وأحقُّ الأمةِ بهذا الوصفِ هم صحابةُ النبي - صلى الله عليه وسلم -
وهم أوَّل مَن خُوطِب بها، وعثمانُنا على رأسِ هؤلاء الصحب الكرام
قال تعالى:
﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴾
[الأنفال: 62]
في هذه الآيةِ: امتنَّ الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - بنصرتِه إيَّاه، وبنصرِ المؤمنين - وهم الصحابة - له،
وعثمانُ بعد الشيخين على رأسِ هؤلاء المؤمنين، وهذه منزلةٌ عظيمةٌ أنزلهم الله إيَّاها؛
إذ جَعَلهم أنصارَه، وأنصارَ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
[الأنفال: 64]
في هذه الآيةِ: أَخبَر الله أنه حَسْبُ نبيه - صلى الله عليه وسلم - وكافِي رسولِه،
وكافِي المؤمنين معه شرَّ أعدائهم ومكرَهم، وعثمانُ على رأسِ المؤمنين الذى اتبعوا النبي - صلى الله عليه وسلم -
وهذه تزكيةٌ للصحابةِ الكرام، بأن الله كافِيهم، وناصرُهم على عدوِّهم
قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا
وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ
وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾
[الأنفال: 74]
في هذه الآيةِ: ثناءٌ وتقديمٌ للمهاجرينَ من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - والشهادةُ لهم: بصدقِ الإيمان،
والإخلاصِ في الجهاد، ونصرة الله - عز وجل - ووعد لهم بالمغفرة للذنوب، والرزق الكريم في الآخرة،
وعثمان أوَّل المهاجرين، ويا لها من منقبةٍ عظيمةٍ له - رضى الله عنه- ولن نتكلَّم مرَّة أخرى عن أوَّل المهاجرين،
وثناء الله عليه، فوالله لن يَعرِف قدرَ عثمانَ إلا ربُّ عثمانَ
قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا
وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ
دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾
[التوبة: 20]
في هذه الآيةِ: بيانٌ لفضلِ الصحابةِ الكرام من المهاجرين، الذين تَركُوا ديارَهم وأموالَهم؛
طاعةً لله، وابتغاءَ مرضاتِه، بأن لهم الدرجاتِ العلى في الآخرةِ، والمنازلَ الرفيعةَ،
وأنهم هم الفائزون حقًّا، فاغتباطًا لعثمانَ الفوزُ بالجنان؛ لسبقِه بالهجرة
قال تعالى:
﴿ لَكِنِ الرَّسُولُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
[التوبة: 88، 89]
في هذه الآياتِ تزكيةٌ عظيمةٌ للصحابةِ الكرامِ؛ حيث جمعهم الله مع نبيه - صلى الله عليه وسلم – في: الإيمانِ،
والجهادِ، والثوابِ في الآخرة، والجزاء بالخلودِ في الجناتِ، وعثمانُ - مرَّة أخرى -
على رأس هؤلاء الذين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم
قال تعالى:
﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ
اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ
بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ
وَرِضْوَانًا
سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي
التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ
فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ
لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾
[الفتح: 29]
في هذه الآيةِ: إخبارٌ بوصفِ أصحابِ النبي - صلى الله عليه وسلم - في التوراةِ والإنجيلِ،
وبيانُ ما هم عليه من السَّمْتِ الحَسَن، والهَدْي القَوِيم، وشدَّة عبادتهم لله، وإخلاصهم لله؛
رجاءَ ثوابِه، ونصرتهم لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ووعد الله لهم بالمغفرة والأجر
قال تعالى:
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو
إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ
اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
[يوسف: 108]
في هذه الآيةِ: أمرٌ من الله لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - أن يُخبِر الناسَ أنه ومَن اتَّبعه من صحابتِه
- وعلى رأسهم خلفاؤه - إنما يَدْعُون إلى اللهِ وحدَه على علمٍ ويقينٍ بما يَدْعُون به،
وأنهم ينَزِّهون الله - تعالى - عن النِّدِّ والشريك، والبراءة من الشرك والمشركين
قال تعالى: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي
اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي
الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ
الْمُسْلِمِينَ
مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ
فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الحج: 78]
في هذه الآيةِ: أن الصحابةَ هم أوَّل مَن خاطبهم الله - تعالى - ووجَّه الثناءَ إليهم من هذه الأمة،
فوَصَفهم: بأنه اجتَبَاهم واصطَفَاهم، وأنهم شهداءُ اللهِ فى أرضِه على الناسِ، وأَمَرهم بإقامةِ الصلاة،
وإيتاء الزكاة، وزكاهم بأنه مولاهم، وأَثبَت عدالتَهم، والصحابة –
وعلى رأسهم عثمان - أوَّل الداخلينَ في هذه الآيةِ، وهي عامَّة في كل المؤمنين
قال تعالى:
﴿
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]
في هذه الآيةِ: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ابتَعَثه الله - عز وجل - إلى الأمِّيين، وهم العربُ،
رسولاً فعلَّمهم كتاب ربِّهم، وطهَّرهم بعد أن كانوا على الضلال - وعلى
رأسهم عثمان- وبتلك النعمةِ تحقَّقت الغايةُ من البعثةِ والرسالة
ثم تعدَّى الخيرُ عن طريقِهم إلى أممٍ أخرى دخلوا بعد ذلك في هذا الدين
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى
رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَيُدْخِلَكُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي
اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى
بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا
نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8]
في هذه الآيةِ: تأمينُ اللهِ تعالى لصحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - من خِزْيِ يومِ القيامه، وعلى رأسهم عثمان
القسم الثانى: الخاص بالسابقين من المهاجرين، وعثمان أوَّل المهاجرين:
فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه وزوجِه رقية:
((صحبهما الله؛ إن عثمانَ أوَّل مَن هاجر بأهلِه بعد لوطٍ))، المعجم الكبير للطبرانى، والحديث رواته ثقاتٌ، ما عدا بشارًا ضعيف
قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ
هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ ﴾[النحل: 41]
"في هذه الآيةِ: أن المرادَ أصحابُ محمد - صلى الله عليه وسلم - وعثمان أوَّل المهاجرين للحبشة؛
ظَلَمهم المشركون بمكةَ، وأخرجوهم حتى لَحِقت طائفةٌ منهم بالحبشة،
ثم بوَّأهم الله تعالى دارَ الهجرةِ، وجَعَل لهم أنصارًا من المؤمنين"، أحكام القرآن للقرطبي
قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ
وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]
"في هذه الآيةِ: يُخبِر الله عن جَعفَر بن أبي طالبٍ والذين خَرَجوا معه إلى الحبشة"، أحكام القرآن للقرطبي
قال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ
اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَرَضُوا
عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]
في هذه الآيةِ: رضًا للهِ - عز وجل - عن السابقين الأوَّلين من المهاجرين، والأنصار،
والذين اتَّبعوهم على ما هم عليه بإحسانٍ، ووَعَد لهم بدخولِ الجنات والخلود فيها،
ويا لها من منقبةٍ عظيمةٍ، بأنه ليس من السابقين، بل أوَّل المهاجرين
قال تعالى: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا
وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر: 8]
في هذه الآيةِ: مدحٌ عظيمٌ، وفضلٌ كبيرٌ لصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم -
وفيها شهادةٌ للمهاجِرِين أنهم ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الحشر: 8]، بأعمالهم ونصرتهم لهذا الدين
ووصفهم بأنهم الصادقون، وهنيئًا لأوَّل المهاجرين أن يكون أول الصادقين
قال تعالى: ﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ
مَنْ
أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً
مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ
اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾ [الحديد: 10]
في هذه الآيةِ: أن الفتحَ فتحُ مكةَ - عند جمهور المفسرين -
وفي الآيةِ وعدٌ من الله تعالى للمُنفِقِين قبل الفتح وبعده مع تفاوتٍ في تفاضلِ الجزاء،
وفيها بيانُ ما ينتظر الصحابة المُنفِقين والمقاتلين مع النبي - صلى الله
عليه وسلم - من الثواب العظيم، ومَن أعظمُ نفقةً وقتالاً من عثمانَ؟
الجواب: لا أحدَ بعد الشيخين
القسم الثالث: الخاص بعثمان على وجه الخصوص:
قال تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا
فَهُوَ
يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ
لَا
يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا
يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 75، 76]
في هذه الآياتِ يَصِف الله - عز وجل - عثمانَ بأنه يَأمُر بالعدلِ،
وهو على صراطٍ مستقيمٍ؛ فقد قال ابن عباسٍ في قولِه: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
[النحل: 76]، قال: "هو عثمان بن عفَّان"، ذكره الوادعي[في] صحيح أسباب النزول
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 101]
فعن محمدِ بنِ حاطِبٍ، قال: "سَمِعتُ عليًّا يَقولُ: يَعنِي مِنْهُمْ عثمان"، أخرجه عبدالله بن أحمد، وهو صحيح
قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِنْ
مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ
وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ
عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41]
"في هذه الآية يَصِف الله - عز وجل - أصحابَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم"، الطبرى فى تفسيره
قال تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ
أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54]
"هذه الآيةُ نزلت في أبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وحمزةَ، وجعفر، وعثمانَ بن مَظْعُون،
وأبي عُبَيدة، ومُصْعَب بن عُمَير، وسالم، وأبي سَلَمة، والأَرْقَم بن أبي الأرقم،
وعمَّار، وبلال"، أخرجه أبو الفرج في أسباب النزول
قال تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ *
لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾ [الحجر: 47، 48]
هذه الآيةُ نزلت في: أبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وطلحةَ، والزبيرِ، وسعدٍ، وعبدِالرحمن بن عَوفٍ،
وسعيدِ بن زيدٍ، وعبدِالله بن مسعود"، أخرجه خيثمة بن سليمان فى "الرياض النضرة
قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ *
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ
الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 17، 18]
هذه الآيةُ نزلت لما أسلَّم أبو بكر جاءه عبدُالرحمن بن عوفٍ، وعثمانُ، وطلحةُ، والزبيرُ،
وسعيدُ بن زيدٍ، وسعدُ بن أبي وقَّاص، وسألوه، فأخبرهم بإيمانِه فآمنوا؛ فنزلت:
﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ ﴾ [الزمر: 17، 18]، أخرجه المحب الطبرى فى "الرياض النضرة"
قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى
لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 262]
نزلت في عثمانَ وعبدالرحمن بن عوف، أخرجه الواحدي فى أسباب النزول
قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ
رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]
قال ابن عمر: "نزلت في عثمان"، أخرجه الواحدي والحاكمي والفضائلي
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ
بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 155]
في هذه الآيةِ: يَعْفُو الله عن الذين تولَّوا يوم أُحُدٍ، وكان عثمانُ منهم، ويا لها من منقبةٍ عظيمةٍ وجليلةٍ،
أن الله قد عفا ولم يَغفِر فقط؛ فمقام العفوِ أبلغُ من المغفرة، ولكي تَشعُرَ باسم العفوِ حقًّا،
اعرَف الفرقَ بينه وبين الغفَّار، وأسماءُ اللهِ كلُّها حُسنَى، لكن العفوَ أبلغُ من المغفرة، كيف
هناك مَن يتعامَلُ معه الله - تبارك وتعالى - بالمغفرة، المغفرة: أنك إذا فعلتَ ذنبًا،
فالله يَستُرك في الدنيا، ويَستُرك في الآخرة، ولا يُعاقِبك على هذا الذنب، لكن الذنب موجودٌ
أما العفو، فالذنبُ غيرُ موجودٍ أصلاً، كأنك لم تَرتكِب الخطأ؛ لأنه أُزِيل، ولم تَعُدْ آثارُه موجودةً؛
لذلك فهو أبلغُ، فهنيئًا لعثمانَ استحقاقه لعَفْوِ العَفُوِّ القدير
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين