الأحد 28 أبريل - 19:54
أسرار الحبة السوداء تتجلى في الطب الحديث
د. حسان شمسي باشا
استشاري أمراض القلب
سمع أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: د. حسان شمسي باشا
استشاري أمراض القلب
(فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلا السَّام)
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَالسَّامُ الْمَوْتُ، وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ
الشُّونِيزُ). رواه البخاري.
لم تنل الحبة السوداء من الاهتمام مثلما نالت خلال العامين الماضيين، فقد
كانت هناك دراسات قليلة تنشر من حين إلى آخر. إلا أنه، وخلال العامين
المنصرمين، نشرت عشرات الدراسات العلمية في المجلات العالمية الموثقة. ورغم
أن معظمها أجري على الحيوانات ـ إلا أن هذا الكم من الدراسات المنشورة من
الشرق والغرب والتنوع العجيب في فوائد الحبة السوداء أمر يثير الاهتمام
حقٌّا، كيف لا والرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول: (عليكم بالحبة
السوداء، فإن فيها دواء من كل داء إلا السام)، وهو الموت.
وقد أظهرت الدراسات المخبرية أن الحبة السوداء تقوي جهاز المناعة، وبالتالي
تزيد من قدرة الجسم على مقاومة الجراثيم والفيروسات التي تفتك به، كما تزيد
من قدرة الجسم على مقاومة السرطان، وتستعمل الآن الحبة السوداء ممزوجة مع
العسل في معهد أكبر في الولايات المتحدة الأمريكية من قبل الدكتور أحمد
القاضي والدكتور أسامة قنديل في علاج حالات السرطان والإيدز المتقدمة.
وكانت دراسة أجريت في جامعة Kings College في لندن، ونشرت عام 1997 ـ قد بينت أن زيت الحبة السوداء يحتوي على نوعين من الزيوت:
الزيت الطيار بنسبة 0.45% (ويحتوي على المادة الفعالة وتدعى الثيموكينون).
الزيت الثابت: بنسبة 33%.
وأكد الباحثون أن زيت الحبة السوداء الطيار فعال في تخفيف الالتهابات في داء المفاصل نظير الرثواني.
وأكدت الدراسة التي أجريت في جامعة Kings College في لندن قدرة الحبة السوداء في تثبيط نمو بعض الجراثيم، إضافة إلى تأثيرها المضاد للالتهابات.
وهناك
دراسات تشير إلى فائدة الحبة السوداء في علاج الربو القصبي والتهاب
القصبات. ودراسات أخرى أظهرت أن خلاصة الحبة السوداء استطاعت تثبيط نمو
خلايا بعض أنواع السرطان كسرطان الثدي وسرطان البروستات، وسرطان الخلايا
القتامينية الجلدي.
ودراسات تبين أن الحبة السوداء تزيد قوة الخلايا البالعة على التهام نوع من الفطور يدعى (فطر المبيضات البيض).
وسنستعرض في هذا البحث عددًا من الدراسات الحديثة التي نشرت في هذا المجال.
الحبة السوداء وقاية من تخرب الكبد:
من
المعلوم أن زيت الحبة السوداء يملك تأثيرات وقائية للكبد تحميه من بعض
أنواع التسممات الكبدية. ومن المعروف أيضًا أن الحبة السوداء نفسها تستخدم
في الطب الشعبي في علاج أمراض الكبد.
ولهذا
قام الدكتور (الغامدي) من جامعة الملك فيصل في الدمام بإجراء دراسة على
الفئران لمعرفة تأثير محلول مائي من الحبة السوداء في وقاية الكبد من مادة
سامة تدعى رابع كلور الكربون (Carbon tetrachloride).
وقد نشرت هذه الدراسة في مجلة (Am J Clin Med) في شهر مايو 2003م.
وتبين أن إعطاء محلول الحبة السوداء قد أدى إلى الإقلال من التأثيرات السمية لرابع كلور الكربون على الكبد.
فقد
كان مســــتوى إنزيمـــات الكبد أقل عند الفئران التي أعطيت الحبة
السوداء، كما كان تأثير المادة السامة على أنسجة الكبد أقل وضوحًا(1).
وفي دراسة أخرى نشرت في مجلة (Phytother Res)
في شهر سبتمبر 2003 أكد الباحثون أن الفئران التي أعطيت زيت الحبة السوداء
كانت أقل عرضة للإصابة بتخريب الكبد عند إعطائه المواد السامة مثل رابع
كلور الكربون(2).
الحبة السوداء... في الوقاية من سرطان الكبد:
وفي دراسة نشرت في عدد أكتوبر 2003 في مجلة (J Carcinog) قام الباحثون من جامعة (Kelaniya) في سريلانكا بإجراء دراسة على 60 فأرًا أحدث عندهم سرطان الكبد بواسطة مادة تدعى (diethylnitrosamine).
وأعطي مجموعة من هذه الفئران مزيجًا من الحبة السوداء وأعشاب أخرى، وتابع الباحثون هذه الفئران لمدة عشرة أسابيع.
وبعدها
قاموا بفحص النسيج الكبدي عند الفئران، فوجدوا أن شدة التأثيرات السرطانية
كانت أقل بكثير عند الفئران التي عولجت بهذا المزيج المذكور، والذي يشتمل
على الحبة السوداء. واستنتج الباحثون أن هذه المواد يمكن أن تسهم في وقاية
الكبد من التأثيرات المسرطنة(3).
الحبة السوداء... وقاية من سرطان القولون:
هل يمكن للحبة السوداء أن تقي من سرطان القولون؟ سؤال طرحه باحثون من جامعة طنطا بمصر، ونشر بحثهم في مجلة Nutr Cancer في شهر فبراير 2003م.
فقد
أجرى الباحثون دراسة على 45 فأرًا، وأعطوا مادة كيميائية تسبب سرطان
القولون. وأعطي ثلاثون فأرًا زيت الحبة السوداء عن طريق الفم.
وبعد
14 أسبوعًا من بداية التجربة، لاحظ الباحثون عدم وجود أية تغيرات سرطانية
في القولون أو الكبد أو الكلى عند الفئران التي أعطيت زيت الحبة السوداء،
مما يوحي بأن زيت الحبة السوداء الطيار له القدرة على منع حدوث سرطان
القولون(4).
الحبة السوداء.. وسرطان الثدي:
وفي دراسة خرجت من جامعة (جاكسون ميسيسيبي) في الولايات المتحدة ونشرت في مجلة Bio Med Sci Instrum
عام 2003، وجد الباحثون أن استعمال خلاصة الحبة السوداء كانت فعالة في
تثبيط خلايا سرطان الثدي، مما يفتح الأبواب إلى المزيد من الدراسات في هذا
المجال(5).
الحبة السوداء.. ومرض السكر:
وفي دراسة حديثة نشرت في مجلة (tohoku J Exp Med)
في شهر ديسمبر 2003م قام الباحثون من جامعة (يوزنكويل) في تركيا بإجراء
دراسة على خمسين فأرًا أحدث عندهم مرض السكر وذلك بإعطائهم مادة تدعى (streptozotocin) داخل البريتوان في البطن.
وقسمت
الفئران بعدها إلى مجموعتين: الأولى أعطيت زيت الحبة السوداء الطيار داخل
بريتوان البطن يوميٌّا ولمدة ثلاثين يومًا، في حين أعطيت المجموعة الثانية
محلولاً ملحيٌّا خاليًا من زيت الحبة السوداء.
ووجد
الباحثون أن إعطاء زيت الحبة السوداء للفئران المصابة بمرض السكر قد أدى
إلى خفض في سكر الدم عندها، وزيادة مستوى الأنسولين في الدم، كما أدى إلى
تكاثر وتنشط في خلايا بيتا (في البنكرياس) والمسؤولة عن إفراز الأنسولين،
مما يوحي بأن الحبة السوداء يمكن أن تساعد في علاج مرض السكر(6).
وفي دراسة أخرى من اليابان نشرت في شهر ديسمبر 2002 في مجلة Res Vet Sci
وجد الباحثون أن لزيت الحبة السوداء تأثيرًا منشطًا لإفراز الأنسولين عند
الفئران التي أحدث عندها مرض السكر، وقد أدى استعمال زيت الحبة السوداء عند
هذه الفئران إلى خفض سكر الدم عندها(7).
أما الدكتور محمد الدخاخني فقد نشر بحثًا في مجلة Planta Med
في عام 2002 واقترح فيه أن تأثير زيت الحبة السوداء الخافض لسكر الدم ربما
لا يكون عن طريق زيادة أنسولين الدم، بل ربما يكون عن طريق تأثير خارج عن
البنكرياس، ولكن الأمر بحاجة إلى مزيد من الدراسات العلمية(8).
ومن
جامعة (يوزنكو) في تركيا ظهرت دراسة نشرت في عام 2001 وأجريت هذه المرة
على الأرانب النيوزيلندية، فقد قسمت الأرانب إلى مجموعتين، أحدث عندها مرض
السكر، عولجت الأولى بإعطاء خلاصة الحبة السوداء عن طريق الفم يوميٌّا
ولمدة شهرين بعد إحداث مرض السكر.
وجد
الباحثون حدوث انخفاض في سكر الدم عند التي عولجت بخلاصة الحبة السوداء،
كما ازداد لديها العوامل المضادة للأكسدة، والتي يمكن أن تقلل من حدوث تصلب
الشرايين(9).
الحبة السوداء... والأمراض التحسسية:
وفي دراسة أخرى من جامعة (charite)
في برلين (ألمانيا) قام الباحثون بإجراء دراسة على 152 مريضًا مصابًا
بأمراض تحسسية (التهاب الأنف التحسسي، الربو القصبي، الأكزيما التحسسية)
وقد نشرت الدراسة في مجلة (tohoku J Exp Med) في عدد ديسمبر 2003 وعولج هؤلاء المرضى بكبسولات تحتوي على زيت الحبة السوداء بجرعة تراوحت بين 40ـ80 ملغ/ كغ باليوم.
وقد طلب من المرضى أن يسجلوا وفق معايير قياسية خاصة شدة الأعراض عندهم خلال التجربة.
وأجريت معايرة عدة فحوص مخبرية مثل (IgE) تعداد الكريات البيض الحمضية، مستوى الكورتيزول، الكولسترول المفيد والكولسترول الضار.
وقد
أكدت نتائج الدراسة تحسن الأعراض عند كل المرضى المصابين بالربو القصبي أو
التهاب الأنف التحسسي أو الأكزيما التحسسية، وقد انخفض مستوى الدهون
الثلاثية (ترغليسريد) بشكل طفيف، في حين زاد مستوى الكولسترول المفيد بشكل
واضح، ولم يحدث أي تأثير يذكر على مستوى الكورتيزول أو كريات البيض
اللمفاوية.
واستنتج الباحثون الألمان أن زيت الحبة السوداء فعال ـ كعلاج إضافي ـ في علاج الأمراض التحسسية(10).
الحبة السوداء.. والربو القصبي:
منذ سنين ومستحضرات الحبة السوداء تستخدم في علاج السعال والربو القصبي، فهل من دليل علمي حديث؟
لقد
قام باحثون من جامعة الملك سعود بالرياض بدراسة تأثير الثيموكينون (وهو
المركب الأساسي الموجود في زيت الحبة السوداء) على قطع من رغامى (Trachea) الخنزير الوحشي Guinea Pig.
وأظهرت نتائج الدراسة أن الثيموكينون يرخي من عضلات الرغامى، أي أنه يوسع
الرغامى والقصبات، وهذا ما يساعد في علاج الربو القصبي(11).
الحبة السوداء في علاج الإسهال والربو:
من
المعروف أن الحبة السوداء تستخدم في علاج الإسهال والربو القصبي منذ مدة
طويلة. وقد قام الدكتور (جيلاني) بدراسة تأثير خلاصة الحبة السوداء في
المختبر لمعرفة فعلها الموسع للقصبات والمرخي للعضلات Spasmolytic.
وأكدت
الدراسة أن لزيت الحبة السوداء تأثيرًا مرخيًا للعضلات وموسعًا للقصبات،
بآلية حصر الكالسيوم، مما يعطي قاعدة تفسر التأثير المعروف للحبة السوداء
في الطب الشعبي(12).
الحبة السوداء.. والمعدة:
وللحبة
السوداء دور وقائي لغشاء المعدة، فقد قام باحثون من جامعة القاهرة بإحداث
أذيات في غشاء المعدة عند الفئران، ثم عولجت هذه الفئران بزيت الحبة
السوداء أو بالثيموكينون (المادة الفعالة في الحبة السوداء)، وكان تأثيرهما
واضحًا في وقاية غشاء المعدة من التأثيرات المخرشة والأذيات الضارة
للمعدة(13).
ومن جامعة
الإسكندرية ظهر بحث قام به الخبير العالمي الكبير في مجال الحبة السوداء
الدكتور محمد الدخاخني. حيث قام ببحث تأثير الحبة السوداء الواقي لغشاء
المعدة من التخريشات التي يسببها الكحول عند الفئران. فتبين أن زيت الحبة
السوداء قد مارس تأثيرًا واقيًا فعالاً ضد التأثير المخرش للمعدة الذي
يحدثه الكحول(14).
الحبة السوداء.. واعتلال الكلية:
أجرى باحثون من جامعة الأزهر دراسة حول تأثير الثيموكينون على اعتلال الكلية، والذي أحدث عند الفئران بواسطة مادة تدعى Doxorubicin.
فتبين أن الثيموكينون (المادة الفعالة في الحبة السوداء) قد أدى إلى تثبيط
طرح البروتين والألبومين في البول، وأن له فعلاً مضادٌّا للأكسدة يثبط
التأثيرات السلبية التي حدثت في الكلية. وهذا ما يوحي بأن الثيموكينون يمكن
أن يكون له دور في الوقاية من الاعتلال الكلوي(15).
الحبة السوداء.. وقاية للقلب والشرايين:
من
المعروف أن ارتفاع مادة تدعى (هوموسيستين) في الدم تزيد من فرص حدوث مرض
شرايين القلب وشرايين الدماغ والأطراف. وقد وجد العلماء أن إعطاء
الفيتامينات (حمض الفوليك، فيتامين ب6، فيتامين ب12) قد أدى إلى خفض مستوى
الهوموسيستين في الدم.
ومن
هنا، قام باحثون في جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية بإجراء
دراسة لمعرفة تأثير الحبة السوداء على مستوى هوموسيستين الدم. وقد نشرت
الدراسة في مجلة Int J Cardiol في شهر يناير 2004م(16).
وقد
أعطى الباحثون مجموعة من الفئران مادة (ثيموكينون) (100 ملغ/ كغ)، وهي
المادة الفعالة الأساسية في الحبة السوداء لمدة ثلاثين دقيقة، ولمدة أسبوع.
ووجد الباحثون أن إعطاء مادة ثيموكينون قد أدى إلى حماية كبيرة ضد حدوث
ارتفاع الهوموسيستين (عندما تعطى للفئران مادة ترفع مستوى الهوموسيستين).
ومع
ارتفاع الهوموسيستين يحدث ارتفاع واضح في مستوى الدهون الثلاثية
والكولسترول وحالة من الأكسدة الضارة للجسم. وقد تبين للباحثين أن إعطاء
خلاصة الحبة السوداء قد أدى إلى إحباط تلك التأثيرات الضارة التي ترافق
ارتفاع الهوموسيستين. مما يعني أن زيت الحبــة الســــوداء يمكن أن يقي
القلب والشرايين من التأثيرات الضارة لارتفاع الهوموســـيستين وما يرافقه
من ارتفاع في دهـون الدم. ولا شك أن الأمر بحاجة إلى المزيد من الدراسات في
هذا المجال.