السبت 28 يوليو - 20:07
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. استعنا بالله في بدء رحلة بعيدة عن الدنيا، هى رحلة داخل أنفسنا لنرى إذا كانت الدنيا بابنا إلى الله أم أننا متعلقين بها وسحرتنا بسحرها.
هناك اختيارين، إما أن يكون الله معك في كل خطوة تأخذها وتستخيره في كل ما تقوم به، إما أن تأخذك الدنيا وتأُخذ قلبك لتُصبح حجاب بينك وبين الله سبحانه وتعالى. الله عز وجل أنزل آدم إلى الأرض، نحيا عليها حتى يوم الحساب، ثم حذرنا الله من الدنيا، لذلك فهذا لغز يجب أن نفهمه جيدًا ونفهم أن الدنيا بها خدع. يقول الله عز وجل في سورة الحديد "..وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ" الآية 20، ويقول سبحانه "مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ"، سورة هود 20.
من ضمن تحذيرات الله لنا أن نبعد عن الشخص الذي شغلته وسحرته الدنيا حتى لا نُصبح مثله "فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا"، النجم 29، وحذرنا الله منها لأن الدنيا هى دار اختبار لنا، فهى إمّا بابك إلى الله أو حجابك عن الله.
فكرة برنامج "سحر الدنيا" أن كل نعمة أعطاها الله لنا في الدنيا، أعطاها لنا لأنها تُحقق رغبة واحتياج عند البشر، أي فيها المتعة المباحة لنا، ولكن بداخل نفس النعمة يوجد فتنة ساحرة والشخص المسحور هو الذي يأخذ حظ نفسه من النعمة وينسى حق الله. الناس انقسموا في سحرهم بالدنيا إلى ثلاث مستويات، الأول هو المفتون الكافر والثاني هو المسحور الغافل والثالث هو اليقظ العاقل.
المفتون الكافر: هو الشخص الذي خطفته الدنيا ويستمتع بالنعمة وقتما يشاء وكيفما شاء، رافض فكرة الرقيب، فبالتالي رافض فكرة الإله ويعتبر أنه إله نفسه، ولقد ذكر الله هذا النوع من البشر في القرآن في سورة الأحقاف " وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ" 20.
المسحور الغافل: هذا الصنف هو موضوع برنامجنا، وهو الشخص الذي يحب الله ورسوله ودينه، ولكن تملكته النعمة فاستحوذت عليه وصارت مركزية حياته، فأصبح لا يكتفي بالحلال، بل تعدى إلى الحرام. قال مالك بن دينار "اتقوا الدنيا فإنها السحارة تسحر قلوب العلماء" أي أن فتنة الدنيا قوية، وذُكر هذا النصف في السنة حينما قال النبي صل الله عليه وسلم في حديث صحيح "تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد الخميلة ، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش"، ومثلهم إمراة العزيز التي سحرت نفسها بحب سيدنا يوسف "وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ"، يوسف 30. الشيطان هو الراعي الرسمي للسحر، يقول الله عز وجل في سورة النمل ".. وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ" 24.
اليقظ العاقل: هو الشخص الذي يحقق التوازن بين الاثنين، وذكر الله هذا النوع من الناس في القرآن حينما قال في سورة الحج " الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" 41. هو شخص يُخطئ ولكنه عندما يُخطئ يشعُر بوحشه في قلبه لأن قلبه ملك الله.
في "سحر الدنيا" سنتحدث كل يوم عن نعمة خلقها الله لنا وكيف نستمتع بها دون أن تفتنا، كما سنتحدث عن علامات المسحورين لتعرف إذا كنت منهم أم لا، بالإضافة إلى قصص واقعية لناس اتسحروا بالفعل وكيف كانت عاقبتهم.
في نهاية حلقة اليوم أطلب ثلاث أشياء:
1- افتح قلبك: أي كن مستعداً للسماع، وتصوّر أنك شخص مسحور ولكنك لا تدرك ذلك.
2- واجه نفسك: إذا وجدت نفسك مسحور بسحر ما، كن شجاع لكي تتعلم كيفية مواجهتها.
3- خذ علاج: كيف نعالج أنفسنا من هذا السحر من خلال القرآن والسنة وعلم النفس وعلم التنمية البشرية، أي الجانب الشرعي والجانب العلمي.