الجمعة 10 يونيو - 6:00
تفسير سورة البقرة - الآية: 40 |
(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون "40") |
بعد أن قص الله علينا قصة الخلق وكيف بدأت بآدم، وعداوة إبليس لآدم وسببها. قص علينا التجربة الأولى للمنهج في إحدى الجنات، وكيف أن آدم تعرض للتجربة فأغواه الشيطان وعصى. ثم نزل إلي الأرض مسلحا بمنهج الله. ومحميا بالتوبة من أن يطغى. بدأت مهمة آدم على الأرض. أن الحق سبحانه وتعالى أراد أن يعرض علينا موكب الرسالات وكيف استقبل بنو آدم منهج الله بالكفر والعصيان. فاختار جل جلاله قصة بني إسرائيل لأنها أكثر القصص معجزات، وأنبياء بني إسرائيل من أكثر الأنبياء الذين أرسلوا لأمة واحدة وليس معنى هذا أنهم مفضلون. ولكن لأنهم كانوا أكثر الأمم عصيانا وآثاما فكانوا أكثرهم أنبياء. كانوا كلما خرجوا من معجزة انحرفوا. فتأتيهم معجزة أخرى. فينحرفون. وهكذا حكم الله عليهم لظلمهم أن يتفرقوا في الأرض ثم يتجمعوا مرة أخرى في مكان واحد. ليذوقوا العذاب والنكال جزاء لهم على معصيتهم وكفرهم. ولذلك أخذت قصة بني إسرائيل ذلك الحجم الضخم في كتاب الله. وفي تثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فموسى عليه السلام الذي أرسله الله إلي بني إسرائيل من أولى العزم من الرسل. ولذلك فإنك تجد فيه تربية أولا. وتربية ثانيا .. ولابد أن نلتفت إلي قول الحق سبحانه وتعالى: يا بني إسرائيل" فالحق جل جلاله. حين يريد أن ينادي البشر جميعا يقول: "يا بني آدم" واقرأ قوله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجدٍ} (من الآية 31 سورة الأعراف) وقوله سبحانه: {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان} (من الآية 11 سورة الأعراف) لماذا يخاطبنا الله تعالى بقوله: يا بني آدم؟ لأنه يريد أن يذكرنا بنعمة علينا منذ بداية الخلق. لأن هذه النعم تخص آدم وذريته. فالله تعالى خلق آدم بيديه. وأمر الملائكة أن تسجد له. وأعد له كونا مليئا بكل ما يضمن استمرار حياته. ليس بالضروريات فقط. ولكن بالكماليات. ثم دربه الحق على ما سيتعرض له من إغواء الشيطان. وأفهمه أن الشيطان عدو له. ثم علمه كلمات التوبة. ليتوب عليه. وأمده بنعم لا تعد ولا تحصى. فالله سبحانه وتعالى يريد أن يذكرنا بكل ذلك حتى نخجل من أن نرتكب معصية بعد كل هذا التكريم للإنسان. فإذا تذكرنا نعم الله علينا .. فإننا نخجل أن نقابل هذه النعم بالمعصية. وقد علمنا الله سبحانه وتعالى علما ميزنا الله تعالى فيه عن ملائكته. لذا كان يجب أن نظل شاكرين عابدين طوال حياتنا في هذه الدنيا. لكننا نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى بدأ هذه الآية الكريمة بقوله: "يا بني إسرائيل" لماذا؟ ومن هو إسرائيل؟ إسرائيل مأخوذة من كلمتين: اسر وإيل .. (اسر) يعني عبد مصطفى أو مختار. (وإيل معناها الله في العبرانية) فيكون معنى الكلمة صفوة الله والاصطفاء هنا ليعقوب وليس لذريته .. فإذا نظرنا إلي إسرائيل هو يعقوب كيف أخذ هذا الاسم. نجد أنه أخذ الاسم لأنه ابتلى من الله بلاء كبيرا. استحق به أن يكون صفيا لله. وعندما ينادي الله تعالى قوم موسى بقوله: يا بني إسرائيل. فإنه يريد أن يذكرهم بمنزلة إسرائيل عند الله. ما واجهه من بلاء. وما تحمله في حياته. فاذكروا ما وصاكم به حين حضرته الوفاة .. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {أم كنتم شهداء إذا حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون "133" } (سورة البقرة) ثم يأتي بعد ذلك قول يعقوب .. واقرأ قوله تعالى: {يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} (من الآية 132 سورة البقرة) تلك هي الوصية التي وصى بها يعقوب بنيه .. فيها علم وفيها عظة. علم بأن الله إله واحد. لا شريك له. وأن الدين هو الإسلام. وعظة وتذكير بأن الله اختار لهم الدين. فليحرصوا عليه حتى الموت. ولقد جاءت هذه الوصية حين حضر يعقوب الموت. ولقد جاءت هذه الوصية حين حضر يعقوب الموت. وساعة الموت يكون الإنسان صادقا مع نفسه. وصادقا مع ربه. وصادقا مع ذريته. فكأنه سبحانه وتعالى حينما يقول: "يا بني إسرائيل" يريد أن يذكرهم بإسرائيل وهو يعقوب وكيف تحمل وظل صابرا. ووصيته لهم ساعة الموت. إن الله سبحانه وتعالى يذكر الأبناء بفضله على الآباء علهم يتعظون أو يخجلون من المعصية تماما كما يكون هناك عبد صالح أسرف أبناؤه على أنفسهم. فيقال لهم: ألا تخجلون؟ أنتم أبناء فلان الرجل الصالح. لا يصح أن ترتكبوا ما يغضب الله … "يا بني إسرائيل" إسرائيل هو يعقوب ابن إسحاق. وإسحاق ابن إبراهيم. وإبراهيم انجب إسحاق وإسماعيل .. ورسولنا صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل. والله سبحانه وتعالى يقول: "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي عليكم" ولكن الله سبحانه وتعالى حين يخاطب المسلمين لا يقول اذكروا نعمة الله. وإنما يقول: "اذكروا الله" لأن بني إسرائيل ماديون ودنيويون. فكان الحق سبحانه وتعالى يقول لهم: مادمتم ماديين ودنيويين. فاذكروا نعمة الله المادية عليكم. ولكننا نحن المسلمين أمة غير مادية. وهناك فرق بين أن يكون الإنسان مع النعمة. وأن يكون مع المنعم. الماديون يحبون النعمة. وغير الماديين يحبون المنعم. ويعيشون في معيته. ولذلك. فخطاب المسلمين: "اذكروا الله" لأننا نحن مع المنعم. بينما خطابه سبحانه لبني إسرائيل: "اذكروا نعمة الله". والحديث القدسي يقول: "أنا أهل أن اتقى فلا يجعل معي إله، فمن اتقى أن يجعل معي إلها كان أهلا أن أغفر له). فالله سبحانه وتعالى واجب العبادة. ولو لم يخلق الجنة والنار .. ولذلك فإن المؤمنين هم أهل الابتلاء من الله. لماذا؟ لأن الابتلاء منه نعمة. والله سبحانه وتعالى يباهي بعباده ملائكته. ويقول: أنهم يعبدونني لذاتي. فتقول الملائكة: بل يعبدوك لنعمتك عليهم. فيقول سبحانه لهم: سأقبضها عنهم ولا يزالون يحبونني .. ومن عبادي من أحب دعاءهم. فأنا أبتليهم حتى يقولوا يا رب. لأن أصواتهم يحبها الله سبحانه وتعالى. ولذلك إذا ابتلى عبدا في صحته مثلا. وسلب منه نعمة العافية. ترى الجاهل هو الذي ينظر إلي هذه نظرة عدم الرضا. وأما المتعمق فينظر إلي قول الله في الحديث القدسي: أن الله عز وجل يقول يوم القيامة: "يا بن آدم مرضت فلم تعدني قال: يا رب وكيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده. أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده" فلو فقد المؤمن نعمة العافية .. فلا ييأس فإن الله تعالى يريده أن يعيش مع المنعم .. وأنه طوال فترة مرضه في معية الله تعالى. ولذلك حين يقول الحق تبارك وتعالى: "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم" معناها. أن لم تكونوا مؤمنين لذاتي. فاستحيوا أن ترتكبوا المعصية بنعمتي التي أنعمت عليكم. ولقد جاءت النعمة هنا لأن بني إسرائيل يعبدون الله من أجل نعمه. |